«إن لله تسعة وتسعين اسما من أحصاها دخل الجنة» من آثار الإيمان باسم الله السميع ناصر عبد الغفور

الحلقة: 66
5- بيان ضلال من اتخذ آلهة لا تسمع عابديها وداعيها
نعى الله تعالى في غير ما آية على المشركين تعلقهم بآلهة ليس لها من صفات الإدراك نصيب، ومن ذلك صفة السمع، فذمهم وآلهتهم وبين ضلالهم، حيث أعرضوا عن دعاء السميع العليم الذي يسمع دعاء عابديه، وأقبلوا على عبادة أصنام لا تسمع ولا تبصر ولا تغني عنهم شيئا.
قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (194) أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلِ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلَا تُنْظِرُونِ (195)} (الأعراف).
وقال تعالى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا (41) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً (42)} (مريم).
قال العلامة السعدي رحمه الله تعالى في تفسيره: «أي: لِمَ تعبد أصناما، ناقصة في ذاتها، وفي أفعالها، فلا تسمع ولا تبصر، ولا تملك لعابدها نفعا ولا ضرا، بل لا تملك لأنفسها شيئا من النفع، ولا تقدر على شيء من الدفع، فهذا برهان جلي دال على أن عبادة الناقص في ذاته وأفعاله مستقبح عقلا وشرعا. ودل بتنبيهه وإشارته، أن الذي يجب ويحسن عبادة من له الكمال، الذي لا ينال العباد نعمة إلا منه، ولا يدفع عنهم نقمة إلا هو، وهو الله تعالى»(1).
ويقول الشيخ الشعراوي رحمه الله تعالى: «لاحظ أنه لم يقُلْ من البداية: لِمَ تعبد الشيطان، بل أخّر هذه الحقيقة إلى نهاية المناقشة، وبدل أن يقول الشيطانَ حلّل شخصيته، وأبان عناصره، وكشف عن حقيقته: لا يسمع ولا يبصر، ولا يُغني عنك شيئاً، فهذه الصفات لا تكون في المعبود، وهي العلة في أن نتجنب عبادة ما دون الله من شجر أو حجر أو شيطان».
وقال جل وعلا على لسان الخليل عليه السلام: {هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ (72) أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ (73)} (الشعراء).
يقول العلامة شهاب الدين الألوسي رحمه الله تعالى: «وقيل: السماع هنا بمعنى الإجابة كما في قوله صلى الله عليه وسلم: «اللهم إني أعوذ بك من دعاء لا يسمع» ومنه قوله عز وجل: {إِنَّكَ سَمِيعُ الدعاء} (آل عمران: 38) أي هل يجيبونكم، وحينئذٍ لا نزاع في أنه متعد لواحد ولا يحتاج إلى تقدير مضاف؛ والأولى إبقاؤه على ظاهر معناه فإنه أنسب بالمقام»(2).
وصدق رحمه الله تعالى، لأن نفي صفة السمع عن تلك الآلهة أبلغ في التكبيت والتقريع وأبين لضلال عابديها، كما أن نفي السماع عنها يلزم منه نفي استجابتها، إذ كيف تستجيب دون أن تسمع شيئا.
ودعاء من كانت هذه صفته هو عين الجهل وغاية الضلال، كما قال تعالى: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ (5)} (الأحقاف).
والاستفهام في الآية يفيد النفي، أي لا أحد أضل ممن هذا شأنه.
يقول الإمام الطبري رحمه الله تعالى: «يقول تعالى ذكره: وأيّ عبد أضلّ من عبد يدعو من دون الله آلهة لا تستجيب له إلى يوم القيامة، يقول: لا تُجيب دعاءه أبدا، لأنها حجر أو خشب أو نحو ذلك.
وقوله: {وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ} يقول تعالى ذكره: وآلهتهم التي يدعونها عن دعائهم إياها في غفلة، لأنها لا تسمع ولا تنطق، ولا تعقل»(3).
ويقول الإمام البغوي رحمه الله تعالى: «يعني الأصنام لا تجيب عابديها إلى شيء يسألونها، {إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} أبدا ما دامت الدنيا، {وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ} لأنها جماد لا تسمع ولا تفهم»(4).
و إذا علم هذا فما أعظم جناية المعطلة لصفة السمع عن رب البرية سواء الجهمية الذين صرحوا بذلك فرارا من التشبيه -زعموا- أو المعتزلة الذين تأولوها بالعلم وإذا سألتهم عن معنى العليم قالوا عليم بلا علم، وإن أثبتوا اسم السميع قالوا كذلك سميع بلا سمع؛ فكل هؤلاء ومن سلك مسلكهم جنايتهم أعظم لأنهم بتعطيلهم صفة السمع وغيرها من صفات الكمال عن الله تعالى يفتحون الباب للمشركين من عباد الأصنام والجمادات ليحتجوا قائلين: كيف تنكرون علينا عبادة ما لا يسمع ولا يبصر وأنتم كذلك تعبدون من لا يسمع ولا يبصر؟ تعالى الله علوا كبيرا عما يقول الظالمون.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-(1) تيسير الرحمن: 494.
-(2) روح المعاني: 14/243، ومقصوده رحمه الله بظاهر معناه إدراك الصوت.
-(3) جامع البيان في تأويل آي القرآن: 22/95.
-(4) معالم التنزيل: 7/249.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *