أين أخوة الأنصار يا أمة المليار؟ خالد اشعيب

مما يعرفه الصغار والكبار، والمؤمنون والكفار، والأصدقاء والأعداء، بحيث لا تنكره جميع المتناقضات في هذه الحياة، ونجد له ذكرا في كل مقام ومقال: ما اشتهر في التاريخ الإسلامي بالتآخي بين المهاجرين والأنصار؛ ذلك الحدث العظيم الذي لم يكن كسائر الأحداث، ولا وجد مثله في تاريخ البشرية بأكملها من لدن آدم إلى يومنا هذا، ذلك الحدث الإنساني الذي زلزل طغيان الكفر والإلحاد، واقتلع جذور الظلم والاستبداد، وغرس نبتة التآخي والإرشاد، وعجزت الأنظمة الراسخة من إيجاد مثلها بقوانينها ودساتيرها، التي جمعت لها كل ما تملكه من العقول ومواردها، معتقدة أنها بلغت وتخطت الأنصار في تآخيها، لكن هيهات هيهات أن يبلغوا معشار ذلك.
ومن فرط ما بلغ الظلم والاستبداد في زماننا، ربما نجد من يعتبر فعل الأنصار نسجا من خيال، وقصة من خارج الواقع المعاش، مستدلين بواقع الأمة وما تعيشه من تآمر بعضها على بعض، معتمدين في ذلك على مقارنة فاسدة، يظهر بطلانها من البداية؛ مقارنة بين جيل تربى على منهاج النبوة فبذل الغالي والنفيس لإسعاد إخوانه، وجيل يسعى لإثبات قوته بتتبع خطى الغرب شبرا بشبر، وذراعا بذراع، حتى التقط ما أدرك الغرب نفسه أنه لم يعد صالحا له، ونسي قيم الإسلام من حب وإخاء وتراحم.
مليار من القوم، لا تفوقها أمة عددا ولا مددا، ولا مساحة ولا قوة، لكنهم غثاء كغثاء السيل، أحشاء ممزقة، ودول متقطعة، تنتظر دويلات متكالبة كي تغيثها، وكأنها ولدت يتيمة ومنفصلة، كل يسعى لمآربه ومصالحه، وكأن لا دين يجمعها، ولا أرحام تضمها؛ هل هذه حقا أمة ولدت من رحم المهاجرين والأنصار؟
في سوريا قتل وتدمير وتهجير ولا مجيب، في مصر سجن وتآمر وتحقير ولا متعاطف، في بورما تشويه واغتصاب وتعذيب ولا مغيث، في الصومال نسيان وفقر وتجويع ولا منفق، في فلسطين قدسنا يهان وقبلتنا الأولى تنتهك حرمتها ولا منتصر؛ أهكذا علمك المهاجرون والأنصار يا أمة المليار؟
كم نحن بحاجة إلى ذرة من أخوتهم واتحادهم وتعاطفهم، كيف لا، ورب العزة قد زكاهم من فوق سبع سماوات بقوله: {أشداء على الكفار رحماء بينهم} (الفتح: 29)؛ واليوم قد صدقت الآية فينا، فأصبحنا أشداء فيما بيننا، رحماء مع أعدائنا.
ولا يمكن للأمة أن تكون قوية إلا إذا استمسكت بأصولها وثوابتها، هذه قاعدة لو استمسكت بها الأمة ما ذهبت لشراء أمنها على حساب شعبها، ولمَا تسولت في سوق النقد الدولية، وفي المجالس والمؤتمرات الدولية، رغم ما تملكه من موارد وعقول أسهمت في بناء دول كانت في عداد المدفونين.
لقد قرأنا عن أمم كان مصيرها الانهزام والزوال، وأمتنا ستبقى حية مهما ضعفت واستكانت، فما عليها إلا العودة لدينها ووحدتها، لتكون خير أمة أخرجت للناس، ويعطى لها النصر الموعود؛ فإن شرط النصر تحقيق الخيرية التي بها وصفت في كتاب الله.
من يدرك ذلك يكون اليأس بعيدا عن قلبه، ويسعى إلى الخير وصلاح الأمة، ويستشرف الغد الأفضل، فمهما طالت الظلمة فإنها زائلة، ومهما طال غروب الشمس فإنها ستشرق بشعاع العزة والنصر إن شاء الله.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *