المخاطر المحتملة للضربة الغربية لسوريا

قد يبدو العنوان صادماً لمن طالبوا مراراً بالتدخل الدولي في سوريا عبر ضربات جوية تجبر النظام السوري الدموي على الاستسلام أو تقلل من قسوة ضرباته وتقصر المدة اللازمة للإطاحة به، لكن عند النظر إلى تاريخ التدخلات الغربية لاسيما الأمريكية في مثل هذه القضايا لربما زالت الصدمة.
بادئ الأمر، ليس ثمة من ينكر أن الولايات المتحدة الأمريكية ليست جمعية خيرية، ولا منظمة حقوقية، ولا معهداً أو مركزاً لنشر الديمقراطية في العالم، ووقوفها إلى جانب الديكتاتوريات والتحالف معها أكثر من أن تجمعه سطور، وفي إحداها كان التدخل الأمريكي في البوسنة والهرسك لإجبار القوات الإسلامية على فك الحصار حول بانيالوكا، المدينة التي اتخذها صرب البوسنة عاصمة لدولتهم، وقبل أن تستفحل الأمور، ويصعب إبرام اتفاقية كاتفاقية دايتون التي ظلمت المسلمين، الأكثرية في البوسنة، وساوت حصتهم بحصص القوميات والديانات الأخرى على قلتها، ولم يكن المسلمون قد حازوا النصر حقيقة لكنهم كانوا يسيرون باتجاهه رغم فداحة الثمن.
وفي سوريا لا يبدو أن بشار الأسد قادر على تحقيق انتصار على الفصائل المسلحة، وهي التي تتقدم ببطء في المعارك، وتسجل نقاطاً في حلبة لا يمكن تحقيق فيها النصر بـ”الضربة القاضية” لأسباب عديدة، لعل أبرزها حرص الجهات التي تسلح أطرافاً من المعارضة المسلحة على ألا تتجاوز حداً مرسوماً لها.
وللغرب عدة محاذير في سوريا، أولها الحفاظ على أمن الكيان الصهيوني وضرورة تحقيقه بالصورة التي تضمن استمرار “الاستقرار” على الجبهة السورية، أو بالأحرى الجمود والسكون على تلك الجبهة. وثانيها عدم السماح لأي قوى إسلامية مسلحة أن تسيطر على أي منطقة بشكل مستقل في سوريا، وإنضاج حل يحقق السيطرة على الفصائل الإسلامية، ويجعل السلطة العسكرية في يد من يسمون بالمعتدلين، وثالثها أن تظل الهيمنة النصيرية أو نفوذها قويا في سوريا المستقبل، ولو تراجعت لتنخرط تحت مظلة سنية صورية.
ولقد لاحظت الولايات المتحدة الأمريكية في الآونة الأخيرة، عجزاً سورياً رسمياً عن الاستمرار في المعارك إلى ما لا نهاية، وطاقة متراجعة عن الاحتفاظ بمواقع استراتيجية مهمة، وإخفاقاً في تحقيق نجاحات في جبهات حمص، وحلب، وريف دمشق، وإدلب، وغياباً في مناطق الأكراد، وانهزاماً نوعياً في الساحل السوري، وفي المقابل تقدماً بطيئاً من المقاومة، وتحقيق اختراقات للقوى الإسلامية تفوق بكثير ما تحققه القوى “المعتدلة” من الجيش السوري الحر، والقطاعات التي يمكن إسناد مهمة المشاركة في السلطة كممثلة عن المعارضة.
ولعلها لاحظت أيضاً إقليمياً قلقاً تركياً بالغاً بعد تراجع حظها الاستراتيجي في المنطقة بعد غياب الحليف المصري، وغموضاً في المستقبل المصري، وخشية من انفلات الأمور في أكثر من جبهة في المحيط الإقليمي مرة واحدة.. الخ، فآثرت التدخل الجراحي الآن على مستوى محدود يجبر الجميع على الجلوس على مائدة المفاوضات تحت رعاية أمريكية/أوروبية/روسية متفاوتة.
المخاطر إذن تتلخص في خروج المسألة السورية عن المسار الذي رسمته أو تخيلته الإدارة الأمريكية، ورغبتها في أن تتدخل في اللحظة المناسبة التي يمكنها فيها التأثير على خريطة الصراع بشكل يضمن تحييداً ملائماً للقوى الإسلامية المناوئة لنظام بشار، وتصديراً لحكومة ائتلافية يحتفظ فيها العلمانيون ومناضلو الفنادق وأركان النظام السوري ومؤسسته العسكرية العتيدة بمواقع متقدمة في تركيبة حكام سوريا المستقبليين؛ فرغبت بالتدخل أو الضغط؛ فكانت هذه الإرهاصات عن تدخل غربي، أمريكي بالأساس..
المسـلم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *