اسم الله تعالى البصير كثيرا ما يأتي مقترنا باسم السميع[1].
المعنى اللغوي:
– قال الفيومي في مصباحه: (البَصَرُ) النور الذي تدرك به الجارحة المبصرات والجمع (أَبْصَارٌ) مثل سبب وأسباب يقال (أَبْصَرْتُه) برؤية العين (إِبْصَارًا) و(بَصُرْتُ) بالشيء بالضمّ والكسر(بَصَرًا) بفتحتين علمت فأنا بصير به، يتعدى بالباء في اللغة الفصحى وقد يتعدى بنفسه، وهو ذو (بَصَرٍ) و(بَصِيرَةٍ) أي علم، ويتعدى بالتضعيف إلى ثان فيقال ( بَصَّرْتُه بِهِ تَبْصِيرًا ) و(الاستِبْصَارُ) بمعنى (البَصِيرَةِ)»[2].
– وفي المعجم الوسيط: «(بصر) بصرا صار مبصرا وبه أبصره وعلمه.
(بصر) بصرا وبصارة صار بصيرا وصار ذا بصيرة فهو بصير وبالشيء علم به… أبصره ونظر إليه هل يبصره. (أبصر) فلان نظر ببصره فرأى، ورى ببصيرته فاهتدى.. ويقال أبصرت الآية صارت واضحة بينة، وإليه التفت، والشيء رآه ونظر إليه..»[3].
– قال ابن فارس رحمه الله تعالى: «(بصر) الباء والصاد والراء أصلان: أحدهما العِلْمُ بالشيء؛ يقال هو بَصِيرٌ به. ومن هذه البَصيرة… والبَصيرة: البُرْهان. وأصل ذلك كلِّه وُضُوحُ الشيء. ويقال رَأَيْتُه لَمْحاً باصراً، أي ناظراً بتحديقٍ شديد. ويقال بَصُرْتُ بالشيءِ إذا صِرْتَ به بصيراً عالماً، وأبْصَرتُه إذا رأيتَه…»[4].
– قال الجوهري رحمه الله تعالى: «[بصر] البصرة: حاسة الرؤية. وأبصرت الشيء: رأيته. والبصير: خلاف الضرير. وباصرته، إذا أشرفت تنظر إليه من بعيد. والبصر: العلم. وبصرت بالشيء: علمته. قال الله تعالى: (بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ).
والبصير: العالم. وقد بصر بصارة. والتبصّر: التأمل والتعرف. والتبصير: التعريف والايضاح… والمبصرة: المضيئة، ومنه قوله تعالى: «فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً»، قال الأخفش: إنها تبصرهم، أي تجعلهم بصراء. والمبصرة، بالفتح الحجة… والبصيرة: الحجة.»[5].
– قال ابن منظور رحمه الله تعالى: «بَصُرَ به بَصَراً وبَصارَةً وبِصارَةً وأَبْصَرَهُ وتَبَصَّرَهُ نظر إِليه هل يُبْصِرُه قال سيبويه بَصُرَ صار مُبْصِراً وأَبصره إِذا أَخبر بالذي وقعت عينه عليه وحكاه اللحياني بَصِرَ به بكسر الصاد أَي أَبْصَرَهُ وأَبْصَرْتُ الشيءَ رأَيته وباصَرَه نظر معه إِلى شيء أَيُّهما يُبْصِرُه قبل صاحبه وباصَرَه أَيضاً أَبْصَرَهُ… ويقال بَصِرْتُ وتَبَصَّرْتُ الشيءَ شِبْهُ رَمَقْتُه…»[6].
– قال الراغب الأصفهاني في مفرداته: «بصر: البصر يقال للجارحة الناظرة نحو قوله تعالى: «كَلَمْحِ الْبَصَرِ»، «وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ» وللقوة التي فيها، ويقال لقوة القلب المدركة بصيرة وبصر نحو قوله تعالى: «فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ»[7] … وجمع البصر أبصار، وجمع البصيرة بصائر قال تعالى: «فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ»، ولا يكاد يقال للجارحة بصيرة ويقال من الأول أبصرت ومن الثاني أبصرته[8] وبصرت به وقلما يقال بصرت في الحاسة… والضرير يقال له بصير على سبيل العكس والأولى أن ذلك يقال لما له من قوة بصيرة القلب لا لما قالوه ولهذا لا يقال له مبصر([9])…»[10].
ويمكن أن نلخص أقوال هؤلاء الأعلام فيما يلي:
أبصرت الشيء إذا رأيته بعيني، وبصرته وبصرت به -بالضم- وأبصرته كذلك إذا علمته وصرت به بصيرا أي عالما.
والبصر قوة الجارحة والجمع أبصار، بخلاف البصيرة فهي قوة القلب وقد يقال لها بصر، والبصيرة العلم والحجة والبرهان والجمع بصائر، والاستبصار البصيرة، والتبصر التأمل.
أما بالنسبة لأصل الكلمة:
فهي «فعيل في معنى مفعل كما جاء أليم في معنى مؤلم»[11] ، يقول الإمام الطبري رحمه الله تعالى: «وأصل بصير مبصر» من قول القائل: «أبصرت فأنا مبصر»، ولكن صرف إلى «فعيل»، كما صرف «مسمع» إلى «سميع»، و«عذاب مؤلم» إلى «أليم»، «ومبدع السموات» إلى بديع، وما أشبه ذلك»[12].
——————————————
– حيث اقترن الاسمان في عشرة مواضع من الكتاب العزيز.[1]
– المصباح المنير في غريب الشرح الكبير:1/50.[2]
– المعجم الوسيط:1/59.[3]
– معجم مقاييس اللغة:1/253.[4]
– الصحاح في اللغة:2/153-154.[5]
– لسان العرب:4/64.[6]
[7]– كأن الراغب رحمه الله تعالى حمل البصر في هذه الآية على بصر القلب أي البصيرة، لكن الذي عليه أكثير المفسرين أن المراد بالبصر هنا بصر العين، لأن الخطاب متعلق بيوم القيامة حيث يكون كل إنسان على الجادة والاستقامة، والكل يرى أن ما وعد الله به حق، كما قال بعض السلف: «كُشِف الغطاء عن البرّ والفاجر، فرأى كلّ ما يصير إليه.»-تفسير الطبري-، قال تعالى: «أسمع بهم وأبصر يوم يأتوننا» أي: ما أسمعهم وما أبصرهم يوم القيامة. لكن هذا لا يمنع من حمل البصر على العلم وهو قول الزجاج رحمه الله تعالى.
[8]– لأن الأول لازم والثاني –بمعنى العلم- متعد، فيقال أبصرته نافعا أي علمته نافعا.
-[9]المشهور أن تسمية الضرير بالبصير من باب التفاؤل كما سمي اللديغ سليما، والله أعلم.
– المفردات في غريب القرآن:50.[10]
[11]– تفسير أسماء الله الحسنى للزجاج:ص43.
– جامع البيان في تأويل آي القرآن:2/377.[12]