قبل بيان تهافت هذه الشبهة لابد من الإشارة إلى أنها شبهة معتمدة أساسا على قولة كارل ماركس: “الدين أفيون الشعوب”. والتي قيلت للتنفير من الدين والتمرد عليه، بعد ما عانى المستضعفون من ممارسات رجال الكنيسة الذين كانوا يفرضون أشياء لتحقيق مآربهم الشخصية باسم الدين الذي اخترعوه هم؛ واستغفلوا به السذج والبلداء ردحا من الزمن، وكانوا يوهمونهم أنه دين منزل من عند الله.
فكارل ماركس ومن شايعه من دعاة الشيوعية الداعين إلى نبذ الدين والانسلاخ منه كشرط للتقدم والحرية، نلتمس لهم العذر في ثورتهم على “رجال الدين”؛ بسبب ظروفهم الخاصة والهيمنة الظالمة لرجال الكنيسة على الناس باسم الدين؛ فقد كان الإقطاع يمثل أبشع أدواره في أوربا، وفي روسيا بوجه خاص، حيث يموت الآلاف جوعا كل عام، … كل ذلك والمتحدثون باسم الدين يعيشون في رغد وترف فاجر يستمتعون فيه بكل ما يخطر على القلب من ألوان المتاع؛ فإذا خطر للفئة الاجتماعية المقهورة، أن تصرخ بطلب رفع الظلم، واستنكار الوضع، هدأهم رجال الكنيسة تارة بقولهم: “من ضربك على خدك الأيمن فأدر له الأيسر، ومن أخذ رداءك فاترك له الثوب أيضا”. وتارة يمنونهم بوعود عاجلة وآجلة؛ فإذا لم تفلح الأماني والتهديدات معا أنزلوا العقوبات على الثائرين، وتأديب الخارجين على الدين والملحدين بآيات الله بزعمهم.
وبتلك الممارسات المشينة باسم الدين، صار الدين عدوا لتلك الفئة المظلومة فثارت ضده، وتحسنت أحوالهم الاجتماعية والمادية بتلك الثورة على ما كان يفرض عليهم باسم الدين؛ فهذه المقولة المخترعة من لدن “كارل ماركس” اليهودي الذي نبش الشيوعية المزدكية اليهودية بعد ما قبرها الإسلام، إن صدقت على وضعه وهذا الحال الذي بينا فإنها لا تصدق أبدا ولا يصح أن تقال من أي طرف ويقصد بها الإسلام، ذلك أن الدين الحنيف جاء بنبذ ورفع الضر الذي كان يلحقه رجال الدين باسم الدين.
فاعتبار اللادينية هي الحل يصح مع أديان الخرافة والأساطير، لتقيد أهلها بالخرافات ومنعهم من الاختراع والإبداع والتقدم العلمي، عكس الإسلام الذي جاء داعيا لذلك ومرغبا فيه. فإذا كان الدين لشعوب سبب تخلف وتعاسة، لأنه دين محرف باطل من اختراع رجال الكنيسة، يعادي العلم، ويصادم العقل، وينكر الحقائق العلمية الثابتة، فإن الإسلام جاء حاثا على هذه الأشياء والأمر بها؛ فكان أول ما نزل منه: “اقرأ” ومادة العلم دارت في القرآن الكريم أكثر من ثمانمائة مرة.
فلا يقبل أن تنزل حالة دين كنسي ليس له من الدين إلا الإسم ابتدعه الأحبار والرهبان النفعيون الضلال على دين منزل من عند رب العزة جل في علاه، والحال أن ما تمردوا عليه لم يكن دينا من عند الله؛ بل كان ما يسمى رجال الدين يضحكون عليهم بأحكام اخترعوها من عند أنفسهم، أما الإسلام فهو دين الحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
والذين يزعمون أن اللادينية هي الحل يستندون لما سبق ذكره، ويبررون ما كان من الفشل بسبب التبعية للدين، وما كان من انعتاق بسبب التخلي عنه، ثم يشيعون في الناس أن ترك الدين بداية التقدم والنجاح، دون تفريق بين حال وحال، وهم إذ ينادون بذلك لا يتوانون في فرض مناهج وضعية وديانات بشرية على الناس لم يأت بها رسل ولا أنبياء، ويرفضون ما جاء به الرسل والأنبياء، فأيهما أحق بالاتباع لو كانوا يعلمون!
ومفكرهم لينين الذي يعتبر من كبراء القائلين: إن الدين أفيون الشعوب، لا يجد حرجا في قوله بعد هذا القول: إن المحافظة على الدين اليهودي أمر ضروري لحياة الشعب اليهودي المختار حتى ينالوا حقوقهم، لأنه لا يجمع بني إسرائيل إلا الدين.
www.facebook.com/karimkallali