تأديب الأطفال على خلق الأدب مع الله (2) خالد البليهد

إنه من المؤسف أن تجد بعض أولياء الأمور يربي ابنه وابنته على عادات قومه وتقاليدهم ويشدد عليهم، في الوقت الذي يتساهل فيه معهم في تعظيم الله وتوقيره والأدب معه سبحانه، وهذا من قلة البصيرة، والجفاء والجهل. وهناك طائفة أخرى من المسلمين يعتنون أشد العناية بتربية أبنائهم على التزام مناهج دنيوية، واكتساب العلوم العصرية، ويقصرون جدا في غرس تعظيم الله وإجلاله واحترامه في نفوسهم، وما ذلك إلا لتعلقهم بالدنيا وافتتانهم بثقافة الغرب.
إن الشارع الحكيم اعتنى بهذا الخلق العظيم، قال الله تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ}، وقال تعالى: {مَا لَكُمْ لاَ تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً}، وأمرنا وأوصانا بأن نربي أولادنا على الأدب معه وتعظيمه عز وجل؛ ولذلك أوصى لقمان الحكيم ابنه بتعظيم الله ومراقبته، فقال: {يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ}، وأوصى إبراهيم عليه السلام بنيه بالتوحيد، قال تعالى: {وَوَصَّىٰ بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ}.
وقد اعتنى النبي صلى الله عليه وسلم بتوجيه الصبيان إلى هذا الخلق العظيم كما قال لابن عباس: «يا غلام إني أعلمك كلمات، احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف» رواه الترمذي.
ولهذا أرشد أمته إلى تأديب الصبيان على أمر الصلاة، ومعاقبتهم على تركها لتعظيم حق الله، فقال: «مروا أولادكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر» رواه أبو داود والترمذي. وكان صلى الله عليه وسلم يؤدب الصبيان على تعظيم الله عند الأكل، كما في حديث عمرو بن سلمة، ويربيهم على الورع عن المحرمات، كما في حديث الحسن لما أكل تمرة من الصدقة.
وقد كان السلف الصالح يربون صبيانهم على توحيد الله وتعظيمه، قال سهل بن عبد الله التستري: «كنت وأنا ابن ثلاث سنين أقوم بالليل فأنظر إلى صلاة خالي محمد بن سوار، فقال لي يوما: ألا تذكر الله الذي خلقك؟ فقلت: كيف أذكره؟ فقال: بقلبك عند تقلبك بثيابك ثلاث مرات من غير أن تحرك به لسانك، الله معي، الله ناظري، الله شاهدي؛ فقلت ذلك ليالي، ثم أعلمته؛ فقال: قل كل ليلة سبع مرات؛ فقلت ثم أعلمته؛ فقال: قل كل ليلة إحدى عشر مرة؛ فقلته فوقعت حلاوته في قلبي، فلما كان بعد سنة قال لي خالي: احفظ ما علمتك، ودم عليه إلى أن تدخل القبر، فإنه ينفعك؛ ثم قال لي خالي يوما: يا سهيل، من كان الله معه وناظرا إليه وشاهده، أيعصيه؟ إياك والمعصية؛ فكنت أخلو بنفسي فبعثوا بي إلى المدينة، فمضيت إلى الكتاب، فتعلمت القرآن وحفظته وأنا ابن ست سنين أو سبع سنين، وكنت أصوم الدهر وقوتي من خبز الشعير اثنتي عشرة سنة».
يتبع..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *