الضرب وإن كان مباحاً إلا أن تركه أفضل، كما قال الإمام الشافعي -رحمه الله-([1]).
قال الكاساني الحنفي: «فإن كانت ناشزة فله أن يؤدّبها، لكن على الترتيب، فيعظها أولاً على الرفق واللين، فلعلها تقبل الموعظة فتترك النشوز، وإلا هجرها، فإن تركت النشوز فبها، وإلا ضربها»([2]).
وجاء في تفسير البغوي ما يلي:
(وَاضْرِبُوهُن) يعني: إن لم ينـزعن مع الهجران فاضربُوهن ضربًا غير مبرِّح ولا شائن، وقال عطاء: ضربًا بالسواك([3])، وقد جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (حقُّ المرأة أن تُطعمها إذا طَعِمْتَ وتَكسوها إذا اكتسيتَ، ولا تضرب الوجه، ولا تُقَبِّحْ، ولا تهجر إلا في البيت) ([4])- ([5]).
فإن لم تستجب المرأة بعد ذلك فيندب للرجل أن يطلقها ولا يمسكها، فقد أخرج الحاكم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ثلاثة يدعون الله، فلا يستجاب لهم: رجل كانت له امرأة سيئة الخلق فلم يطلقها، ورجل كان له على رجلٍ مال فلم يشهد عليه، ورجل أعطى سفيهاً ماله، وقد قال عزّ وجل: ﴿وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ﴾)([6]).
قال العلامة المناوي: «ثلاثة يدعون الله فلا يستجاب لهم: رجل كانت تحته امرأة سيئة الخُلُق (بالضم) فلم يطلقها، فإذا دعا عليها لا يستجيب له؛ لأنه المعذب نفسه بمعاشرتها، وهو في سعة من فراقها»([7]).
والإسلام يُحرّم ضرب الزوجة لغير نشوز، بل حتى عند نشوزها ومعصيتها لزوجها يحرم على الزوج أن يضربها ضرباً مبرحاً([8])، القصد منه: التشفي والانتقام والتعذيب وإهانة المرأة وإرغامها على معيشة لا ترضى بها، والذي أجازه الإسلام هو الضرب غير المبرح الذي لا يشين عضواً، ولا يكسر عظماً، وهو ضرب للحاجة والتأديب، تصحبه عاطفة المربي والمؤدّب، عملاً بفقه الموازنات بين المصالح والمفاسد([9])، ففيها تقديم مصلحة ترك الضرب على مفسدة الضرب، فليس للزوج أن يضرب زوجه بهواه، وليس له -إن ضربها- أن يقسو عليها([10]).
وإن كان ولا بد، فليكن التأديب بالضرب اليسير، بحيث لا يحصل معه النفور التام، فلا يفرط في الضرب، ولا يفرط في التأديب([11]).
ويتأكد تحريم الضرب في الوجه، فعن حكيم بن معاوية عن أبيه -رضي الله عنه- أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم: (مَا حَقُّ الْمَرْأَةِ عَلَى الزَّوْجِ؟ قَالَ: أَنْ يُطْعِمَهَا إِذَا طَعِمَ، وَأَنْ يَكْسُوَهَا إِذَا اكْتَسَى، وَلَا يَضْرِبِ الْوَجْهَ، وَلَا يُقَبِّحْ، وَلَا يَهْجُرْ([12]) إِلَّا فِي الْبَيْتِ) ([13]).
—————————————
([1])- ينظر: مفاتيح الغيب، للفخر الرازي، 10/90.
([2])- بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، كتاب النكاح، فصل ولاية التأديب للزوج إذا لم تطعه، 2/334.
([3])- إن الضرب بالسواك، وما أشبهه أقل ضرراً على المرأة نفسها من كسرها بالطلاق الذي هو نتيجة غالبة لاسترسالها في نشوزها؛ فإذا طُلّقت تصدّع بنيانها، وتفرّق شملها، وتناثرت أجزاؤها. وإذا قيس الضرر الأخف بالضرر الأعظم، كان ارتكاب الأخف حسناً جميلاً عملاً بفقه الموازنات. ينظر: علم أصول الفقه، لعبد الوهاب خلاف، 1/ 86، ورعاية المصلحة في تشريع نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم، لمحمد طاهر حكيم، 1/240.
([4])- تفسير البغوي (معالم التنزيل)، تفسير سورة النساء، تفسيره لقوله تعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ)، 2/184.
([5])- أخرجه أبو داود في النكاح، باب في حق المرأة على زوجها، 3/67 -68، وابن ماجه في النكاح، باب في حق المرأة على الزوج، 1/594، وابن حبان، ص 313 من موارد الظمآن، وصححه الحاكم في المستدرك، 2/187 – 188، ووافقه الذهبي، وعزاه المنذري للنسائي في الكبرى، وأخرجه الإمام أحمد في المسند، 4 / 446 – 447 عن معاوية بن حيدة، والمصنف في شرح السنة، 9/ 160.
([6])- سورة النساء، الآية 5.
([7])- فيض القدير.
([8])- ينظر: مواهب الجليل في شرح مختصر خليل، للحطاب المالكي المغربي، 2/472.
([9])- ينظر: البحر الرائق شرح كنز الدقائق، لابن نجيم المصري، ومعه: تكملة البحر الرائق، لمحمد الطوري الحنفي القادري، وبحاشية: منحة الخالق، لابن عابدين، 7/310.
([10])- ينظر: تفسير القرآن العظين، لابن كثير، 2/295، بتحقيق: سامي سلامة، وتفسير الطبري، 8/314، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير، 2/343، وكشاف القناع، 2/209، وواجبات المرأة المسلمة في ضوء القرآن والسنة، لعبد الرحمن العك، ص 276 – 277.
([11])- ماذا وراء الأبواب؟ أم سفيان، ص 8 – 10.
([12])- الهجر: ضد الوصال. يقال: هجرتُ الشيء هجراً، إذا تركته وأغفلته. ينظر: النهاية في غريب الحديث والأثر، 5/254.
([13])- أخرجه ماجة في سننه، في كتاب النكاح، باب حق المرأة على الزوج، من طريق أبو بكر بن أبي شيبة، 1/593 – 594.
وأخرجه أبو داود، في سننه، كتاب النكاح، باب حق المرأة على زوجها، 1/294، من طريق موسى بن إسماعيل بلفظه أخرجه بصيغة المخاطب، وفيه: (ما حق زوجة أحدنا عليه؟)، وفيه: (إذا اكتسيت أو أكسيت)، وقال أبو داود: «لا تُقَبِّحْ»، أي: أن تقول: “قبّحِك الله”.
وأخرجه أحمد بن حنبل في مسنده، 5/3، من طريق عفان بلفظه مع زيادات في أوله وآخره وبصيغة المخاطب.
وأخرجه أحمد بن حنبل أيضاً في نفس الجزء ونفس الصفحة من طريق عبد الرزاق بصيغة المخاطب، وحذف (ولا تقبّح).
وأورده صاحب الفتح الرباني في كتاب النكاح، باب ما جاء في حق الزوج على الزوجة، 16/231، من طريق يزيد بلفظه، وزاد إسناده إلى البيهقي وابن حبان والحاكم، وقال فيه: ((صحّحه الحاكم وابن حِبّان)).
وأورده النووي في رياض الصالحين، باب الوصية بالنساء، ص 94، عن معاوية بن حيدة.