زنا المحصنين (الخيانة الزوجية) في تصاعد مستمر 1/2 زينب الدرقاوي

الخيانة الزوجية بالزنا معضلة عويصة في كل الأمم، ولا تنتشر إلا في الشعوب التي لا تدين لله رب العالمين، كالدول الإباحية المعروفة في العالم بالتحرر الجنسي، أو بعض القبائل النائية التي يقل فيها التدين، وفي مطلع القرن العشرين وما بعده لما جثم الاحتلال على الشعوب الإسلامية المحافظة على تماسكها وروابطها الشرعية والعرفية التي تجعل الخيانة الزوجية من أكبر الجرائم التي لا تصدر إلا عن خائن أو خائنة، يستحقان أشد العقاب، وضع مخططات لنشر التفسخ والانحلال تدريجيا بدءا من المدارس والكليات، وصولا إلى الإدارات والمؤسسات العمومية، بدأ يهون من شأن الوسائل المشجعة على الخيانة، مثل ما نراه في الأفلام الخليعة التي تعرض في دور السينما بل على التلفاز العمومي، وكذا إنشاء المهرجانات الماجنة التي تنتهك فيها كل الحرمات.

لقد استغل الاحتلال نفوذه في الدول الإسلامية والعربية، وسخّر وسائل الإعلام المسموعة والمرئية والمقروءة في نزع ثوب الحياء من الفتيان والفتيات فضلا عن الآباء والأمهات، ولحد الآن لا زالت بعض الوسائل الإعلامية الساقطة الهابطة لا تكتب على صفحاتها، ولا تبث في برامجها إلا الخبث والخبائث، ولا تنتعش إلا إذا تكلمت عن إشاعة الفواحش الظاهرة والباطنة بين المؤمنين والمؤمنات، ويتولى كبر ذلك كله شرذمة من العلمانيين والليبراليين والإباحيين، الذين يريدون للمرأة أن تنزع جلبابها وتنبذ حياءها، فسخروا أقلامهم وألسنتهم وأموالهم لنسف الموانع والحواجز التي وضعها الشرع الحكيم لتماسك الأسرة، وإبعادها عن مثل هذه الظاهرة المرضية والرذيلة الاجتماعية، التي تهدد الأسر تهديدا وتدمرها تدميرا، فيتخلخل كيان المجتمع وتجعله عرضة للتمزق والتشرد فيكثر أولاد الزنا وتختلط الأنساب، ويقل أولاد الحلال، وتحل النقمة وتذهب النعمة، وتنتشر الجريمة ويقل الأمن وتقطع السبل، ويؤتى المنكر في النوادي وفي المدن والبوادي.
فما مفهوم فاحشة الخيانة الزوجية؟
وهل من سبيل لمعرفة أسبابها ودواعيها للحد منها؟
وماهي العواصم التي تعصم الزوجين منها؟

أ- مفهوم الخيانة الزوجية:
إن لفظ الخيانة، لغة: يدل على النقص وعدم الأداء والغدر، ومنه قوله تعالى: “يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ”، وهي النظرة المريبة المختلسة، ومفهوم الخيانة شامل لأكثر مما يتصوره البعض، ألا وهو الوقوع في الفاحشة من طرف أحد الزوجين، وهذا بلا شك منتهى الخيانة، لكن قد تسبقها صور من الخيانة تؤدي بأحد الزوجين إلى الخيانة العظمى: كالليونة في الكلام، والخضوع بالقول لغير الزوج، قال الله عز وجل: “فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً”، “وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ”، وكذلك الكلام الخاص المريب مع غير المحارم، وإفشاء الأسرار الزوجية سواء من طرف الزوج أو الزوجة، وإضاعة المال، وإهمال الأولاد بدون تربية حسنة، والإعجاب بالغير، والحركات المشبوهة والتغنج، فكل هذه الأفعال تعد خيانة، وهي دركات أولها نظرة وأوسطها قبلة وآخرها فاحشة الزنا، فهي أقبح الأفعال وأشرها عند الله عز وجل، كل الشرائع أطبقت على تحريمها، وجميع الأعراف تنبذها وتمقتها، بل بعض الأجناس من الحيوانات والطيور ترفضها وتأباها وقد روى الإمامُ البخاري في “صحيحه” (3849) عَنْ ‏عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ ‏‏قَالَ:‏ “رَأَيْتُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ قِرْدَةً اجْتَمَعَ عَلَيْهَا قِرَدَةٌ، قَدْ زَنَتْ، فَرَجَمُوهَا، فَرَجَمْتُهَا مَعَهُمْ..”، كما وقف الباحثون الإحيائيون على غرائب وعجائب في هذا الصدد لا يتسع المقام لذكرها.

ب- أسباب الخيانة الزوجية:
1- إطلاق البصر وعدم غضه ومخالفة أمر الله ورسوله، قال الله تعالى: “قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ”، وقال سبحانه: “وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ”، ومن لم يصرف بصره صعب عليه أن يحفظ فرجه.
2- الدخول على النساء الأجنبيات غير المحارم والخلوة بهن، وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك فقال: “إياكم والدخول على النساء، فقالوا يا رسول الله” أفرأيت الحمو، قال الحمو الموت” صحيح البخاري 5232، والحمو من أقارب الزوج أو الزوجة.
3- الإختلاط المذموم الذي لا تدعو إليه الحاجة، أو الذي يمكن الاستغناء عنه، كالاختلاط في التعليم في جميع مستوياته مما يجعل الحواجز الشرعية والعرفية تتكسر، فيخلو المجال لمرضى القلوب يعيثون في الأرض فسادا، ويهلكون الحرث والنسل.
4- التبرج والسفور الذي عم وطم، وقضى على اليابس والأخضر، فظهر تبرج الجاهلية الأولى الذي نهى الله عز وجل عنه في كتابه قائلا: “وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى”، وكثر النساء الكاسيات العاريات المائلات المميلات، اللواتي فتن بالموضة الغربية في اللباس والتكسر في المشي..
5- الانفتاح الكبير على الفضائيات والشبكة العنكبوتية التي اخترقت المجتمعات والبيوتات، وأصبحت كابوسا يؤرق الأسر والعائلات، لا سيما إذا أهملت المراقبة أو انعدمت، كما يبقى التحكم في وسائل الإعلام من طرف الأسر إحدى الصعوبات التي يستعصي حلها وخاصة في عهد تطور الاتصالات، وتقريبها من جميع الفئات..
6- دور الإعلام (الجنسي) غير الهادف الذي لا يهمّه إلا الدرهم والدينار على حساب الدين والتقوى والأعراض، فيكتب وينشر كل ما يثير الشهوات والغرائز، ويبث الشبهات.
7- الخمور والمخدرات المتنوعة التي تعج بها بلادنا وأسواقنا العصرية والسوداء تعد من الأسباب الكامنة وراء هذه الموبقة الاجتماعية، لأنها تتسبب في المشاكل الزوجية التي تولد النفور فتقع الخيانة والجرائم المهلكة للأنفس والأموال والأعراض. ولا يخفى، فالمغرب يعد بلدا منتجا ومصدرا ومستوردا ومستهلكا، ومعبَرا استراتيجيا للمخدرات..
8- انتقال المتزوجين للعمل في بلد غير بلد مسكن الزوجية وخاصة إلى البلاد الإباحية، وكذا سفر المرأة بدون محرم، والسفر الطويل للرجل وتغيبه عن زوجته وأولاده وتركهم عرضة للضياع، وقد حكي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه بينما يتفقد أحوال المدينة إذ سمع امرأة غاب عنها زوجها بسبب الغزو تنشد شعرا، تقول فيه:
طال علي الليل واسودّ جوانبه ويحزنني أن لا أجد حبيباً ألاعبه
والله لـولا الله تخـشى محارمه لاهتز من هذا السريـر جـوانـبـه
فذهب إلى ابنته حفصة فقال لها: كم تصبر المرأة عن زوجها قالت: أربعة أشهر، فأصدر عمر مرسوما جاء فيه: “لا يغيب الجندي في الجيش أكثر من أربعة أشهر”.
9- تعطيل الحدود من طرف المحتل في الدول الإسلامية، واستبدالها بعقوبات لا تزجر الفاعل، بل تبطل بالمسامحة، والله تعالى يقول: “الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ”.
10- الفراغ العاطفي بين الزوجين، وهذا لا يعني أن كل زوج وزوجة لا يجمعهما إلا الروابط العاطفية، فهذا قد يكون في الأيام الأولى والشهور المبكرة من الزواج أما بعد تقادم الزمن، وظهور العيوب والأمراض وقلة المال وذهاب الجمال، حينئذ قد تذبل رابطة العاطفة والمودة لكي يأتي دور الرحمة والرأفة والوفاء بالعهد وكل هذا من العاطفة والمودة أيضا قال الله تعالى: “وَلاَ تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ”، وقال عليه الصلاة والسلام: “لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقا رضي منها آخر” رواه مسلم.
وهناك أسباب كثيرة أخرى للخيانة الزوجية نذكر منها على سبيل الاختصار، محاكاة النمط الغربي أساليب العيش والتفكك الأسري، والسكن العشوائي، وعدم الكفاءة بين الزوجين، والاختلاف الكبير بين ثقافة المرأة والرجل، ويبقى السبب الرئيس هو انعدام الوازع الديني والأخلاقي لدى الخائن والخائنة كما شهد بذلك طائفة من علماء النفس والاجتماع ويُصدق ذلك الواقع المعاش.
يتبع إن شاء الله..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *