التعامل مع الزوجة الناشز من منطور الشرع وفقه الموازنات د. عبد العزيز وصفي

قوامة الرجل على المرأة ليست قوامة تسلط وتجبر، وإنما قوامة تقويم وتأديب وتدبير للأمور على أحسن الأحوال، قال القرطبي في تفسيره: «فقيام الرجال على النساء هو على هذا الحد؛ وهو أن يقوم بتدبيرها وتأديبها وإمساكها في بيتها ومنعها من البروز، وأن عليها طاعته وقبول أمره ما لم تكن معصية»([1]).

وقال الطاهر بن عاشور: «وقيام الرجال على النساء: هو قيام الحفظ والدفاع، وقيام الاكتساب والإنتاج المالي، ولذلك قال: بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِم»([2]).

وإباحة الضرب غير المبرح في النشوز لا يتعارض مع الحديث المذكور، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده) ([3]).

فالذي شرع ما في هذا الحديث هو الذي شرع الضرب، ثم إنه لو جرى الناس على هذا الفهم، أي: دعوى التعارض لما أقيمت الحدود بدعوى أن في ذلك أذِية للمسلم؛ وفي هذا كثير من الفساد.

والحاصل من المسألة بإيجاز: أنَّ الله تعالى أعطى الزوجَ حقَّ التأديبِ على زوجته، وبيَّنَ وسائلَ التأديبِ والتدرُّجَ فيها بنصِّ الآيةِ السابقة، وذلك بأَنْ يَعِظَ الرجلُ زوجتَه عند خوفه نشوزَها، فينصحها ويأمرها بتقوى الله، ويذكِّرها بما أوجب الله عليها مِن جميل العشرة وحُسْن الصحبة والاعتراف بالدرجة التي له عليها، ونحو ذلك مِن النصائح الوعظية التي تؤثِّر في قلب المرأة، قال ابن قدامة -رحمه الله-: «فمتى ظهرَتْ منها أماراتُ النشوز، مثل أن تتثاقل وتُدَافِع إذا دعاها، ولا تصير إليه إلَّا بتكرُّهٍ ودمدمة؛ فإنه يَعِظُها فيخوِّفها اللهَ سبحانه، ويذكر ما أوجب اللهُ له عليها مِن الحقِّ والطاعة، وما يلحقها مِن الإثم بالمخالَفة والمعصية، وما يسقط بذلك مِن حقوقها مِن النفقة والكسوة، وما يباح له مِن ضربها وهجرها»([4]).

فإِنْ حَصَلَ المقصودُ بإحدى الوسائلِ التأديبية السالفةِ البيان، وتحقَّقَتِ الطاعةُ على الوجه المَرْضي، فالواجبُ على الزوج تركُ مُعاتَبَتِها على الأمورِ السابقة، والتنقيبِ عن العيوب الماضية التي يضرُّ ذكرُها، ويضطرب -بسببها-سقفُ الأسرةِ الزوجية.

الخاتمة:

يتضح من خلال ما ذكره الفقهاء والمفسرون، أن الرأي الراجح -والله أعلم-، أنه ليس للزوج ضرب زوجته لمرة واحدة، بل إذا تكرر نشوزها، وأن الضرب في المرتبة الأخيرة من العقوبات على النشوز بعد استيفاء وسيلتي الوعظ والهجر في المضجع، فترتيب العقوبات في الآية السابقة ظاهر؛ لأن الغرض منها هو التأديب والزجر، فإذا تحقق ذلك بأقل وسيلة ترك ما بعدها؛ ولأن الناس متفاوتون في تحصيل العقاب، فمنهم من تكفيه الإشارة لردعه، ومنهم الكلمة، ومنهم لا يكفيه إلا الضرب، وكذا حال النساء، فإذا أدرك الرجل من زوجته ذلك، فله تأديبها بالضرب وإن كان تركه أفضل، حرصاً على دوام العشرة بينهما، وطمعاً في الأجر والثواب بالتحمل والصبر على سوء أخلاقهن([5]).

والحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات.

————————–

([1])- الجامع لأحكام القرآن، 5/168 ـ 169.
([2])- ينظر: التحرير والتنوير، 5/39-40.
([3])- رواه البخاري ومسلم.
([4])- المغني، 7/46.
([5])- حكم تأديب الزوجة بالضرب في الفقه الإسلامي المقارن، د. فتح الله  أكثم حمد الله  تفاحة، م16، العلوم التربوية والدراسات الإسلامية (1)، 1424هـ – 2003م، ص:65.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *