الغزو الثقافي من خلال وثيقة الأمم المتحدة عن المرأة ذ.الحسن العسال

يستعمل الغرب شتى الوسائل لفرض ثقافته وبسط هيمنته؛ مرة بالعصا ومرة بالجزرة، تارة بالمباشر وتارة بالتمويه. ومن هذه الأساليب ما سمي بـ”وثيقة الأمم المتحدة المتعلقة بالعنف ضد المرأة”.
هذا العنوان لا يختلف حوله عاقلان، إلا أن الشيطان كامن في التفاصيل، التي تبيح للمرأة الإجهاض، وتمنحها “حرية” اختيار الجنس، وتكوين علاقة جنسية شاذة، كما تمنحها “الحق” في التساوي في تشريعات الزواج والإرث، وفي المقابل تسحب سلطة التطليق من الزوج، لتنقلها للقضاء، مع اقتسام كافة الممتلكات بعد الطلاق!
إذا، فما علاقة عنوان الوثيقة بمضمونها؟
إن العلاقة هي علاقة احتيال وتمويه، كي يسهل الترويج لها بين غير المطلعين عليها من غير الأميين، فضلا عن الأميين، وما أكثرهم في بلدنا الراني إلى الحداثة!
وهذا بالضبط ما ينهجه بنو علمان من بني جلدتنا، طاعة وإرضاء لبني الأصفر.
فهم يوهمون بأنهم يدافعون عن المرأة، ويقفون سدا منيعا في وجه العنف ضدها.
إلا أن الحقيقة هي على العكس من ذلك تماما، لأن المستهدف ليس هو العنف كما جاء في عنوان الوثيقة، وإنما المستهدف هو القيم كما فصله مضمونها، وإلا، فما علاقة الحرية في الإجهاض بالعنف؟ إلا أن يكون الإجهاض عنفا تمارسه المرأة على نفسها وعلى جنينها، يجب منعها منه، ومعاقبتها عليه، كما يعاقب من حاول قتل نفسه، لأن النفس، امرأة كانت أم جنينا، هي ملك لمن خلقها سبحانه، وهو الحكيم الخبير بما يصلح لها، وإلا سيصبح الإنسان هو المشرع من دون الله، نعوذ بالله من الشرك.
ثم ما علاقة العنف “بالحرية” في اختيار الجنس، وبالسحاق؟
أليس هذا عنفا يمارس ضد الفطرة التي فطر الله الناس عليها؟
لهذه الأسباب، وغيرها مما جاء في بنود الوثيقة، رفضتها دار الإفتاء الليبية، واصفة إياها بـ”الظالمة والهدامة” وبأنها دعوة للانحلال الأخلاقي.
واستنكرت الدار في بيان لها فرض الوثيقة على الدول الأعضاء بالأمم المتحدة، داعية المرأة المسلمة في العالم الإسلامي لتنظيم وقفة احتجاج عالمية ضد هذه الوثيقة، وحذرت وزراء خارجية العالم الإسلامي من التوقيع على هذه الاتفاقية .
أما جماعة الاخوان المسلمين، في مصر، فقد أصدرت بيانا في 13 مارس قالت فيه: إن لجنة وضع المرأة بالأمم المتحدة تعقد اجتماعا “لإقرار وثيقة بعنوان (إلغاء ومنع كل أشكال العنف ضد النساء والفتيات) وهو عنوان خادع يتضمن بنودا تتصادم مع مبادئ الإسلام وثوابته المقررة بالقرآن والسنة والإجماع وتقضي على الأخلاق الإسلامية وتسعى لهدم مؤسسة الأسرة.”
وأضافت أن الوثيقة تضمنت بندا ينص على “التساوي التام في تشريعات الزواج مثل إلغاء كل من التعدد والعدة والولاية والمهر وإنفاق الرجل على الأسرة والسماح للمسلمة بالزواج بغير المسلم وغيرها.
وفي المقابل فإن المجلس القومي للمرأة بمصر، في شخص رئيسته ميرفت التلاوي دافع، باستماتة عن وثيقة الأمم المتحدة لمنع العنف ضد المرأة.
وادعت التلاوي، كما هو منتظر من كل علمانية تدافع عن الباطل، أن الوثيقة ركزت على بند واحد، هو كيفية منع العنف ضد النساء والفتيات!
فهل يعقل أن تختزل وثيقة في بند واحد؟!
وأضافت أن من مميزات الوثيقة أنها أعطت “تعريفا واسعا للعنف” بحيث لا يقتصر على الاعتداءات الجنسية أو الختان أو غيرها من أشكال العنف.
وأردفت قائلة: “يجب أن نفخر بإصدار هذه الوثيقة، لكننا ووجهنا بحملة شرسة ومدبرة”.
وإذا كان دفاع بنات علمان عن الوثيقة، مفهوما إلى حد ما، بالنظر إلى رضاعهن من لبان بني الأصفر، فإن الغريب والمستهجن هو إصدار منظمة التعاون الإسلامي لبيان تشكر فيه الأمم المتحدة، وتشيد فيه بالوثيقة، بل زادت الطين بلة بتأسفها على اعتبار الدين يستخدم غطاء لعادات وتقاليد اجتماعية سيئة مثل ختان الإناث وزواج الأطفال.
أما مجلسنا العلمي الأعلى، فلقد ناديت لو ناديت حيا***ولكن لا حياة لمن تنادي
وفي سياق آخر مرتبط بموضوع حرية المرأة، أطلقت مجموعة من الفتيات المسلمات حملة إليكترونية ردا على تظاهر ناشطات عاريات الصدور، أمام مساجد وسفارات تونسية في أنحاء متفرقة من أوربا.
كما تم تنظيم “يوم فخر المرأة المسلمة” على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، ردا على تظاهرة ناشطات من حركة “فيمن” النسائية الأوكرانية والتي كانت مسماة بـ”اليوم العالمي للجهاد بالصدور العارية”، “دعما “للناشطة التونسية الملقبة بـ “أمينة تايلور” التي نشرت صورة لها وهي عارية الصدر وقد كتبت عليه “جسدي ملكي”.
فيما كتبت المنظمة لهذه الدعوة على “فيسبوك”، صوفيا أحمد، تقول إن فكرة “فخر المرأة المسلمة تتمثل في التواصل مع الهوية الإسلامية وتجميع أصواتنا الكثيرة. دعونا نُظهر للعالم أننا ضد “فيمن” واستخدامهن للمرأة المسلمة لفرض الليبرالية الغربية”.
وباستخدام وسائل الإعلام الاجتماعي، نشرت عدد من النساء المسلمات صورهن وهن حاملات لافتات عبارة عن رسائل موجهة إلى “فيمن” مثل: “العري لن يحررني” و”فيمن لا يمكنها إخباري بما يمكنني أو مالا يمكنني ارتداؤه”.
ومما يثلج الصدر، ويعتبر ردا غير مباشر على الوثيقة الماسخة لهويتنا الإسلامية، تنظيم فتيات ونساء تونسيات وقفة احتجاجية، أمام وزارة المرأة بالعاصمة التونسية، وهن يلتحفن النقاب التونسي المسمى بـ”السفساري”، تحت شعار “أم السفساري”، تعبيرا عن رفضهن لمظاهرة تعرية الصدور التي قامت بها منظمة “فيمن”، أمام سفارات تونس في العالم.
كما لم يفت شباب مغاربة، ذكورا وإناثا، أن يطلقوا حملة أطلقوا عليها “جسدي ملك لربي”، في رد واضح على دعاة الحرية الشخصية، ورد مباشر على صفحة “فيمن مغربية”، التي دعت المغربيات إلى إرسال صور لهن عاريات الصدور لنشرها.
وإذا كان المغرب الشعبي قد عبر عن رأيه في رفض “نضال التعري”، فأين المغرب الرسمي لرفض الوثيقة الأممية المصادمة للهوية الإسلامية، والالتحاق بالدولة المعربة عن رفضها لها، مثل السودان والسعودية وقطر، وليبيا التي كانت الأجرأ، باتخاذها قرار الانسحاب من التوقيع؟
أين الرد الرسمي، والحكومة شبه إسلامية؟
هل يقبل المغرب بهذا الغزو الثقافي، الذي يمارسه علينا الغرب بأيدي عبيده، داسا السم في العسل، أو كما قال أحد الكتاب: “وأظن أنه قد اتضح بصورة مبدأية ماذا نعني بالـ”مصطلحات الفضفاضة”… حيث إن مصطلحات “منع التمييز” يمكنك بحكم كونك مسلمًا أن تحمله على قوله تعالى- (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) (البقرة:228)، كما أن ذهنك قد ينصرف إلى أن المقصود بمنع العنف ضد المرأة هو قوله تعالى: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) (النساء:19)، وقد تذهب بعيدًا فتظن أن القوم يريدون أن يتصدوا لجنوح بعض الرجال لاستعمال قوتهم في قهر المرأة؛ فأرادوا أن يوجهوا طاقة هؤلاء الرجال إلى استعمال طاقتهم في حماية المرأة؛ كما كانت آخر وصايا النبي صلى الله عليه وسلم: (اللَّهُمَّ إِنِّي أُحَرِّجُ حَقَّ الضَّعِيفَيْنِ: الْيَتِيمِ، وَالْمَرْأَةِ) (رواه أحمد والنسائي وابن ماجه، وحسنه الألباني).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *