تندثر القيم وتسقط المبادئ ويُدَنس الأدب ويُمَرَّغ شرفه في وحل صفحات الرذيلة والمنكر، تتسخ مقومات الثقافة بعفن الكذب والافتراء، تتحول الأقلام إلى رصاصات سامة والكلمات إلى قذائف، والمقالات إلى ألغام فتاكة، ضمن ترسانةٍ من أسلحة الحرب؛ حيث لا عدوان إلا على الدين الإسلامي بكل خصائصه ومميزاته، وعلى مقومات الهوية المغربية الطاهرة بتنوعها الجميل وروافدها المتينة.
سلسلةٌ من الهجمات والتفجيرات اليومية التي سكت عنها الرقيب المسؤول إن لم نرهُ مصفقا يكرِّمُ مجرميها باعتبارهم أصحاب أقلام حرة وفرسان الفكر والإصلاح!
وفي وسط ما تعيشه الأمة الإسلامية من نكبات ومشاكل وعوائق، ووسط ما ينتظر هذه الأمة من أخطار وأحداث عظام؛ تأبى تلك الأقلام وتلكم المنابر إلا إشغال المجتمع بسفاسف الأمور؛ وصرفه عن ركب التنمية؛ والحيلولة دونه ودون نشر الوعي والرقي الثقافي.
إن إعلامنا اليوم هو أداة في أيدي نخبة تحمل بطاقات هويات وطنية؛ لكن عقلياتها ومرجعيتها التي تمتح من مصادرها غير وطنية، توالي كل من يرفع شعار العلمانية وتسقط كل من خالفها، مرة بحملات كاذبة تشوه أهل الفضيلة، ومرة بإشاعات كاذبة تبطل الحق وتُحق الباطل، ومرة بأعمدة رأي همّها وضع أحكام الإسلام في أقفاص الاتهام.
لم يعد خافياً على أحد اليوم، مدى تعاظم تأثير الإعلام على الناس في كافة ميادين وشؤون الحياة حتى قيل: “إن تأثير الإعلام بات أقوى من أية ترسانة عسكرية تمتلكها أية دولة في العالم”، لما للإعلام من أثر بارز؛ وتوجيه واضح؛ ونفوذ واسع على طراز عيش عديد من الشعوب والأمم.
فالضربات والهجمات العسكرية تؤدي إلى قتل الناس وإلحاق الدمار بالمؤسسات والبنيات التحتية، في حين أن ضربات الإعلام المنبعثة من وسائلها وأساليبها العديدة كفيلة بتغيير بعض المفاهيم الصحيحة وإبطال بعض المسلمات، أو على الأقل تغيير مسار أمة عن طريقة عيشها التي تسير عليها، وذلك لأن الهجمات العسكرية لا تعدو كونها أعمالاً مادية صرفة تقتل وتدمر، ولكن سرعان ما تعود الأمور إلى مجاريها الأصلية، في حين العمل الإعلامي الموجه ينتج عنه إعادة صياغة عقول وتحديد سلوكيات لدى الأفراد في المجتمعات؛ ولهذا ليس مستغرباً بأن تقوم الدول بتوظيف قوتها الإعلامية قبل قيامها بعمل عسكري ضد دولة أخرى، وكذلك أثناء قيامها بالعمل العسكري وبعده.
إن هذا الإعلام الممول من جيوبنا بحاجة ماسة لعمليات جراحية تستأصل ما به من أورام خبيثة قد تأتي على المجتمع بأكمله، وقد أتت.
ولا بد لكل إعلامي يحمل ولو قليلا من المبادئ ويتحلى ولو بشيء يسير من الإنصاف؛ أن يقف وقفة جادة مع نفسه حتى يعي خطورة ما يصنع في ضوء الانتشار السريع لما يبث؛ خصوصا مع انتشار التقنية الحديثة اليوم بين كل فئات مجتمعنا.
فهل يعي الإعلاميون المتسيِّبون ومن وراءهم، خطورة ما يصنعون؛ فكثير من الانحرافات والمشاكل التي تعيشها مجتمعاتنا اليوم هي بسبب إنتاجاتهم وأعمالهم؟