إنكم لا تجدون على الحق أعوانا الأستاذ أحمد اللويزة

لقد من الله على الصحابة بشرف صحبة نبيه صلى الله عليه وسلم وملازمتهم له فهو بين أظهرهم، يقومهم ويجيب عن أسئلتهم ويزيل حيرتهم ويوضح لهم ما أشكل عليهم، وقد امتن الله عليهم بذلك في القرآن الكريم قال سبحانه: {وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ}، فمستبعد كل البعد أن يترك الصحابة دين الإسلام بعد أن خالط بشاشة قلوبهم لاسيما والنبي صلى الله عليه وسلم فيهم يشاهدون تنزل الوحي عليه ينير لهم الطريق، ويبصرهم بمواقع أقدامهم على السبيل القويم.

والكلمة كلمة الإسلام، والقوة والمنعة للإسلام وأهل الإسلام، والأعداء والمنافقون خانعون خاضعون لا يرفعون رؤوسا ولا يحركون ساكنا، منبوذون مجهولون سيف الحق فوق رؤوسهم، لا يقدرون على رفع هاماتهم زهوا، ولا التلفظ ولو بكلمة سوء محاربة للإسلام وأهله كما هم اليوم.
لقد كانت دواعي الخير متوافرة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، متعاونون على الحق يذكر بعضهم بعضا ويقدمون النصح ولا يتركون الغفلة تلحق بأحدهم، فكان الواحد منهم يقول لأخيه “اجلس بنا نؤمن ساعة” فظلوا متمسكين بعهد الله وميثاقه في دعة وسكون وتمكين حتى توفاهم الله وهو راض عنهم.
لم يتحقق هذا الذي تحقق في زمن الصحابة إلا بعد أن عانوا وذاقوا مرارة العذاب وأدوا ثمن اختيارهم الصعب اختيار سبيل التوحيد والانقياد لرب العباد، والكفر بما عليه الناس من الشرك والكفر والإلحاد، لكنهم صبروا ووثقوا في وعد الله الذي لا يتخلف ولم يتخلف حقا {وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ}الزمر.
وها نحن في زمن قد أتى ومعه غربة ذاك الوقت؛ فكيف لك أن تصمد في وجه الأعاصير الفتانة التي تحدق بالمرء من كل جانب، يسعى الإنسان لكي يلتزم بشرع ربه ظاهرا وباطنا يحكمه القرآن والسنة، ولا تقوده الأهواء والعادات والتقاليد البالية، التي تصدمه أنها صارت دينا تحرم مخالفتُه عند فئات عريضة من المجتمع الإسلامي، وصار الدين الحق أمورا غريبة يستنكرها العوام ويعدونها شيئا جديدا لم يعهدوه عند الآباء والأجداد، ويعتبرها الموسومون بالثقافة والفكر “المتنور” أفكارا رجعية وموروثات ظلامية، في الوقت الذي يشاركون فيه بإحياء أم الخرافة وأصول الأساطير ويسمونها ظلما وزورا تراثا وخصوصية يلزم الحفاظ عليها.
إننا نعيش زمن الغربة بامتياز، غربة.. أول ما تعيشها بين أهلك وذويك أقرب الناس إليك، بله ما يحيط بك من ثقافات وأفكار وآراء يؤمن بها كثير من الناس وصارت عندهم هي كل الحياة. هذه الغربة لا يعيشها إلا من جرب الاحتكام إلى الكتاب والسنة في مواجهة تحديات الحياة بكل ألوانها وحاول تنزيل شرع الله على أرض الواقع الذي لم يعد قادرا في هذا الوقت على الفكاك من أسر الشهوات والشبهات التي طوقت الأعناق وحالت بين الخلق وصفاء الحق، إلا أن يأذن الله بعودة ميمونة للحق منتصرا على الباطل فصبرا أيها الغرباء.
إذا كان الصحابة رضي الله عنهم والتابعون لهم بإحسان قد وجدوا على الخير أعوانا فإننا في هذا الوقت لا نجد على الخير أعوانا. وإن لم يوفقك الله ويثبتك على الحق فإنك تجد نفسك في مسيرة من التنازلات تبدأ بالجزئيات لتنتهي بالكليات، وكم من شخص ضيع دينه وخسر دنياه لأنه لم يجد الناصح والمعين مع كثرة دواعي الشر وصوارف الخير التي تملأ الأفق ولا يبصر في ثناياها الهدى إلا من بصره الله به، فالاعتماد على الله وعلى حوله وقوته لازم وآكد، ثم الاستعانة بالغرباء المتمسكين بغرز السنة طالبي النجاة، كما أن الحاجة ماسة لقراءة أحاديث الفتن التي تشخص الواقع بجلاء ومنتهى الدقة، كما أنها تقدم سبل الخلاص والعصمة من فتن الزمان وتزود المؤمن الصادق بجرعات إيمانية وتمده بقوة يقين وصبر على المصائب وتملأ قلبه ثقة في موعود الله.
إن من يريد أن يسير إلى الله على منهج سلفه الصالح خيار هذه الأمة إنما ينبغي الاقتداء بهم على كل حال ومن ذلك حالهم في فترة الاستضعاف والغربة.
يقول الحافظ في الفتح: “واحْتجّ (ابن عبد البر) بِأنّ السّبب فِي كوْن الْقرْن الْأوّل خيْر الْقرون أنّهمْ كانوا غرباء فِي إِيمانهمْ لِكثْرةِ الْكفّار حِينئِذٍ وصبْرهمْ على أذاهمْ وتمسّكهمْ بِدِينِهِمْ، قال: فكذلِك أواخِرهمْ إِذا أقاموا الدِّين وتمسّكوا بِهِ وصبروا على الطّاعة حِين ظهور الْمعاصِي والْفِتن كانوا أيْضا عِنْد ذلِك غرباء، وزكتْ أعْمالهمْ فِي ذلِك الزّمان كما زكتْ أعْمال أولئِك. ويشْهد له ما رواه مسْلِم عنْ أبِي هريْرة رفعه: “بدأ الْإِسْلام غرِيبا وسيعود غرِيبا كما بدأ فطوبى لِلْغرباءِ”. فلنكن غرباء كما كانوا غرباء، لكن مزيدا من الصبر على الجمر فإنكم لا تجدون على الخير أعوانا والله المستعان.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *