التحرش الجنسي بين العلاج الفعلي والوهمي من إعداد إبراهيم أبو الكرم

فتحوا له كل باب باسم الحرية؛ عرضوا عليه مسلسلات المجون، نظموا له حفلات رقص وغناء مختلطة، عرقلوا له كل طريق إلى الزواج بحيث يبدو له مظلما؛ قفصا موحشا؛ وكيف له أن يلجه لو فكر في ذلك يوما وهو أحد المعطلين المفلسين إلا من شهوته التي ترسل ألسنتها كلهيب جائع؛ لقنوه ألا يكون مكبوتا متزمتا؛ وخيوط العنكبوت يرمي بنفسه في شراكها؛ فتلوي عليه؛ وتسلب من مخه ما تبقى من فتات حيائه.
داخل الأسرة انفتاح لا حدود له؛ وفي الشارع آلاف من الألوان تسرق نظره، وقالوا له بإمكانك مغازلة (من شاءت إذا شاءت وحيث شاءت؛ احتراما للقانون) وهي تبدي عليه كل مفاتنها؛ وهو جائع متلهف.
قالوا له أنت حرّ؛ فجّر عاطفتك؛ ألق عنك الخجل وتشجع، لا تكن رجعيا ظلاميا؛ تستحيي كلما تقدمت فتاة للكلام معك أو السلام عليك، كن أزعم منها وإذا مدت يدها فمدّ خدك وشفتيك، وهيأوا له أماكن اللهو؛ وحدائق الجلسات الرومانسية؛ بأضوائها الضعيفة أو المنعدمة، حتى ساحات المساجد مسخرة في كثير من الأحيان لذلك، وأعدوا شرطة قرب تراقب بأعينها ألا يكون هناك شجار أو سوء تفاهم، ويحرسون تلك الأماكن حتى لا يقع [التحرش]..
أما السياحة فالمُدرة للدخل منها هي التي يكون غرض أهلها الإتيان من أجل التمتع بجسد المغرب لا بمناظره، وتُهيأ الفنادق والعلب الليلية ما يكفي من اللحوم الحمراء… حتى ولو كان الأجنبي أو غيره من أبناء جلدتنا شاذا فهناك عناية خاصة بهذه الفئة المحرومة المهضومة الحق..
أما مسؤولونا فإننا نشفق عليهم؛ ونحن نراهم بالنهار على قنواتنا وقد جفت حلوقهم لمحاربة التحرش الجنسي ويؤرقهم إيجاد حل له؛ أما في الليل فتنتشر زبانيتهم لسد جشع نزواتهم، وإشباع غرائزهم بلحيمات في مقتبل أعمارهن.. ولا ننسى أنهم اهتدوا إلى عدم التمييز بين الأم المتزوجة والعازبة، واحتواء أطفال الشارع والعناية بهم، وتشريع الإجهاض، وإياك أن تعدّ أحد هذه الأفعال خارجا عن الفطرة أو مصادما للدين؛ وإياك ثم إياك أن تفهم أنه تشجيع على الاغتصاب والطلاق والزنا والموبقات. وبهذا كله يريدون مجتمعا دون تحرش.
ألقاه في اليمّ مكتوفا وقال له إياك إياك أن تبتل بالماء
بهذا البرنامج يحاولون محاربة التحرش الجنسي الذي أنهك جسد الأمة وكلفها تراكمات من المشاكل تلو المشاكل، ويرون أن الحل هو فتح باب الحرية إلى حد كسره؛ وحينما تدور نقاشاتهم على بلاطوات القنوات فإنهم لا يفتأون يرسلون سهامهم ضد الحياء والاحتشام، ويرون أنه عائق دون تحقيق المزيد من التقدم، حتى المحجبات فإنهن في دولة الحق والقانون، وتحت شعار الديمقراطية ينفون من مكاتب استقبال الزبناء؛ وتتحاشى الكاميرات إظهارهن حتى لا يُعدين غيرهن، وإن كن صحفيات فلا مكان لهن في إذاعة الأخبار وتسيير البرامج؛ اللهم إلا في غياهب المكاتب المخفية، أو البرامج الدينية.
أما حصيلة برنامج محاربة التحرش فهو ازدياد أطفال الشارع، وكثرة نسبة الطلاق، وتفكك الأسر، وازدياد نسبة المغتصبات، والأمهات العازبات وهلم جرا من سلسلة لا تنتهي من أمراض مجتمعنا.
وأمام كثرة المثيرات لن تفلح الجهات المسؤولة في القضاء على هذه الظاهرة ما لم يتفطن إلى أصل المرض، فيستأصل من جذره؛ وهو سبب تقصد الجهات العلمانية إغفاله، ألا وهو:
-القضاء على التبرج -توعية النساء بالحجاب الشرعي -نشر قيم الحياء والحشمة والاحترام -حماية شبابنا من البرامج الهدامة والأفكار المنحرفة -تصفية قنواتنا مما يبث فيها من برامج أفلام تناقض المبادئ والقيم النبيلة -إعادة النظر في البرامج التعليمية وتكثيف دروس القيم -قيام المؤسسات الدينية بدورها في محاربة التفسخ والانحلال -توعية الآباء بضرورة تربية الأبناء ومراقبتهم -تجريم الزنا والممارسات اللاخلاقية..
وقد نظر الإسلام إلى هذا الجانب؛ وراعاه حينما حرم التبرج وإظهار النساء لمفاتنهن أمام الأجانب (غير المحارم)، والوعيد الشديد على مقارفة الزنا بل والزجر عن قربه وإتيان أسبابه، وتحريم الخلوة بالإناث غير المحارم، وجعله البركة في الزوجة القليلة المهر؛ تشجيعا على الزواج، واختيار الزوج الصالح، والمفارقة بين الأبناء والبنات في المضاجع؛ كل ذلك وغيره وعيا منه بخطورة النزوة الإنسانية التي إن تأتت أسباب اشتعالها أحرقت كل الحجب، وحطمت كل الحدود، وكسرت كل القيم والمبادئ.
وقد تفطنت الدول الغربية إلى أصل المشكل؛ فبدأنا نسمع فيها بفصول دراسية غير مختلطة، وتجنب الاختلاط في الحافلات، واجتناب الخلوة في مكاتب العمل. وغير ذلك من الإجراءات التي أقدمت عليها دول كثيرة كبريطانيا في بعض مدنها للقضاء الفعلي على التحرش.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *