سبحان الخلاق العليم الذي يكشف حقائق بعض خلقه بما يدل على الوحدانية التي تقتضي تفرده تعالى بالخلق والملك والتدبير، وبشكل يزيل غبش الشك والحيرة والتردد، ويزداد الذي آمنوا إيمانا. أن يفضح الله بني علمان بأرض من بلاد المسلمين لها مكانتها التاريخية والدينية… -والعلمانيون ملة واحدة- ويكشف عوراتهم، ويبين خبث طوياتهم، فهذا مَنٌّ من الله القدير، ومدد من العزيز الكبير لأهل الصلاح ودعاة الخير الذين يحاربون الشر وأهله بصبر وثبات، في كل وقت وحين، وعلى مختلف الجبهات وبما أسعفهم من وسيلة.
ولأن أهل الباطل يملكون من العدة ما لا يملكه أهل الحق الذين لا يملكون غير مدد الله وتوفيقه، فقد تحتاج لسنوات طوال وجهود مضنية للتثبت للعامة حقيقة انحراف بني علمان وفساد طبعهم وقبح منهجهم، لكن الله يفضحهم بقدره وقدرته بشكل لا غشاوة عليه.
إن المفسدين والمتلونين لا يستسيغون الحياة ولا يهنأ لهم بال إلا في ظل الانحراف، ولا يستطيبون العيش إلا في الماء العكر، لذلك سلكوا كل سبيل خسيس دنيء لمحاربة الإسلام وتعاليمه رمز الوضوح والعدل والكرامة، لكن أنى يوفكون.
هناك فرق كبير بين مفسدي الأمس ومفسدي اليوم الذين يجدون ما يكفي من الدعم المادي والمعنوي، مستغلين ضعف المسلمين لبعدهم عن صراط الله المستقيم مكرهين لا طائعين، لذلك تراهم يسارعون في أعداء الإسلام يطلبون منهم النجدة والإنقاذ… لأن زمنهم بدأ في الاندثار، والإسلام بدأ ينفض عن نفسه الغبار، في أكثر من موقف وأكثر من إشارة، ولكن أنى لهم ذلك فإن للدين رب ينصره ويحميه، وإن خذله أهله سنين عددا، وإن من نصر الله هذا الكشف الفظيع لقبح المنهج وسوء المقصد عند القوم.
لقد شاء الله بقدره الكوني أن تقوم هذه الثورات، وينعتق الناس من ربقة الاستبداد، ليفتح لهم المجال نحو البناء والتقدم والاستقرار على منهج الإسلام، فإذا بأهل الباطل يكشرون عن أنيابهم، ويظهرون مخالبهم، ليقودوا معركة الحياة أو الموت عندهم، لأنها الأخيرة في مسار حافل بالمكر والكيد للإسلام وأهله، فذهبت دعاوى التسامح والتعايش وقبول الآخر، وكفروا بالصناديق والديمقراطية التي طالما اعتبروها المقدس الوحيد في دنيا الناس، لأنها كانت لصالحهم بفعل التدليس والتزوير الذي برعوا فيه على مر الأعوام.
فلما تجلت الحقيقة وأشرقت شمس الشفافية واختار الناس بكل حرية وإرادة الإسلام منهجا للتغير، والترقي نحو المجد والعزة، إذا بذلك الحمل الوديع يمسخ ذئبا مفترسا وتظهر حقيقته بعد أن كان يتصنع الوداعة واللطف، فتقاسموا بالله ليحرقوا الأخضر واليابس، وليرتكبوا كل حماقة للحيلولة دون تصدر الإسلام وأخذه بمقاليد الأمور.
فظهر منهم ما كانوا يتهمون به عموم الإسلاميين -وهم منه براء- من عشق للدماء والتخريب ونشر الفتنة، وأنهم دعاة إقصاء واستئصال، وصدق القائل: رمتني بدائها وانسلت.
فمن اليوم الذي يمارس كل ألوان الفتنة وينشرها في كل واد وناد سواهم؟
والإسلاميون رغم كل هذا الضجيج العلماني لا زالوا يحافظون على قدر من الثبات الانفعالي، والتحكم في ردة الفعل، ولا يريدون أن يجاروا القوم في جورهم وطغيانهم، فكفى هذا التفاوت بين الفريقين؛ وكل إناء بالذي فيه ينضح.
فالعلماء يصدحون على المنابر محذرين: إياكم والدماء.. إياكم والأعراض، بينما نخبتهم المتشحة بسواد الباطل، المهووسة بحب التحكم السيطرة والتي ألفوها طوال عقود دون فائدة تذكر، ينفقون الغالي والنفيس من أجل إشعالها حربا لا يهدأ لهيبها حتى تصبح مصر وتونس وليبيا… هشيما تذروه الرياح، فيغدقون على السكارى والبلطجية والحشاشين والمنحرفين، لنشر الخراب في كل بيت زقاق وشبر.
فسبحان كاشف البواطن فاضح السرائر، وما أقصر حبل الكذب، وما أقبح النفاق، فمن لبني علمان اليوم يستر عوراتهم ويغطي ما انفضح من مكنوناتهم، والتاريخ يسجل في صفحاته السود أحداثا أليمة كانوا أبطالها وموقدي نارها.
وبما أن المتلون ليس له عقيدة ولكنه مع الفئة الغالبة، ففي انتظار اليوم الذي يغيروا فيه الوجهة، ويبدلوا فيه الآراء، ويصبحوا أئمة يدعون مع الهداة بغير صدق ولا إخلاص إلى صراط الله المستقيم، وإن غدا لناظره لقريب.
فكم مدحوا في أنظمة الاستبداد، وبعد سقوطها جعلوا من أنفسهم ثوارا ضد الظلم، فيا سبحان الله، لكن لما مال الناس نحو الإسلام عضوا على أصابع الندم، وقد كانوا يتمنون أن تتحول عصى القمع والطغيان إلى أيديهم، فمكروا مكرا وقضى الله أن لا يحيق المكر السيئ إلا بأهله.
إنهم بنو علمان قد فضحهم الله شر فضيحة؛ ولا زال سيل الفضيحة جارفا، حتى أشفق عليهم ذو الحلم والمروءة، فمهلا.. مهلا.. فإنهم كلما أوقدوا نار الفتنة أطأفها الله، لأنهم يسعون في الأرض فسادا والله لا يحب المفسدين.