في ظلال آية..

 

{ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها..}

من التوجيهات القرآنية، والأفضال الربانية ما جاء في قوله سبحانه: {ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها وادعوه خوفا وطمعا إن رحمت الله قريب من المحسنين} (الأعراف:56) لنا مع هذه الآية إحدى عشرة وقفة:

الوقفة الأولى: وردت هذه الآية الكريمة عقب قوله سبحانه: {ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين} (الأعراف:55) فقد أخبرت هذه الآية بعناية الله سبحانه بعباده، وتقريبه إياهم؛ إذ أمرهم بأن يدعوه، وشرَّفهم بذلك العنوان العظيم في قوله: {ربكم} (الأعراف:55)، وعرَّض لهم بمحبته إياهم، دون أعدائهم المعتدين..

الوقفة الثانية: قوله تعالى: {ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها} نهى سبحانه عن كل فساد، قلَّ أو كثر، بعد صلاح قلَّ أو كثر. وقال القشيري: “المراد ولا تشركوا، فهو نهي عن الشرك، وسفك الدماء، والهرج في الأرض، وأمر بلزوم الشرائع بعد إصلاحها، بعد أن أصلحها الله ببعثه الرسل، وتقرير الشرائع، ووضوح ملة محمد صلى الله عليه وسلم”..

الوقفة الثالثة: مجيء النهي بعد قوله سبحانه: {إنه لا يحب المعتدين} تعريض بأن المعتدين، وهم المشركون مفسدون في الأرض، ورفع للمسلمين عن مشابهتهم، كأنه قال: لا يليق بكم، وأنتم المقربون من ربكم، المأذون لكم بدعائه، أن تكونوا مثل المبعدين منه المبغضين.

الوقفة الرابعة: أفاد قوله سبحانه: {ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها} أنه سبحانه خلق الأرض على أحسن نظام، فالجملة نهي عن سائر أنواع الإفساد؛ كإفساد النفوس، والأموال، والأنساب، والعقول، والأديان..

الوقفة الخامسة: قال الشيخ أبو زهرة في “زهرة التفاسير”: “نهى سبحانه عن الإفساد في الأرض، ويتضمن ذلك العمل فيها بالإنتاج والإنماء؛ فالله تعالى خلقها صالحة لأن يعيش عليها الإنسان في زرعها وغرسها، ومستمتعاً بكل حلالها وطيباتها. وإفسادها إنما يكون بإشاعة الظلم، وإفساد ما تُنتج، والتعدي على العباد والبلاد، والتعاون على الإثم والعدوان. وقد جاء النهي عن الفساد {ولا تفسدوا}، ولم يجئ الأمر بـ (الإصلاح)؛ وذلك لأن الله تعالى تولى جعل الأرض صالحة لأن يعيش فيها أهلها آمنين مطمئنين، بأن جعلها مهاداً، وجعل الجبال أوتاداً، وأنزل من السماء ماء، فأخرج به من كل الثمرات، فهو سبحانه تولى ما به صلاح ذات الأرض، وأرسل الرسل تُصْلِح ما بين الناس بالحق، وأجرى على أيديهم شرائع تهديهم إلى الرشاد، وتأخذهم إلى الحق إن استقاموا على الطريقة، وإذا عُرِف معنى الإصلاح الذي كان من الله تعالى في الأرض، عُرِف معنى الإفساد الذي يكون بعد الإصلاح الذي قرره الله تعالى، فيكون الإفساد تخريب العامر، وقطع القائم، وإهلاك الحرث والنسل، وتعطيل شرائع الله، وإشاعة الأخلاق الفاسدة، وإثارة الغرائز الفتاكة والقاتلة، لكل فضيلة بين الناس، وفتح باب الرشا، وأكل السحت، وقتل الناس بغير حق”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *