“الإرهاب..”؟ ذ.الحسن العسال

عرفه البعض بأنه أي عمل عدواني يستخدم العنف والقوة ضد المدنيين ويهدف إلى إضعاف الروح المعنوية للعدو في أماكن خارج ساحة المعركة عن طريق إرهاب المدنيين بشتّى الوسائل العنيفة، كالتفجيرات والاغتيالات داخل المدن المكتظة بالسكان العزل.
لكن أمريكا، والغرب كافة يرفضون بقوة تحديد تعريف معين للإرهاب!
أولا: كي يخلطوا بين الإرهاب والمقاومة المشروعة والجهاد في سبيل الله لصد الصائل.
ثانيا: كي يفلتوا من وصمهم بالإرهاب.
ثالثا: كي يحصروا الإرهاب بالمسلمين، ويصبح المسلم في نظر العالم مرادفا للإرهابي، إلى درجة أنه كلما تم الحديث عن عملية تفجير يقفز إلى الذهن بشكل تلقائي أن الفاعل مسلم!!
رابعا: كي يتاجروا بمسمى الإرهاب، ويقضوا من خلاله مآربهم الاستراتيجية، ويحافظوا على مصالحهم “الكونية”.
ومن المعلوم لكل ذي عينين أن الرجل الأبيض هو أعتى الإرهابيين حاضرا وتاريخيا.
يقول نيقولا مكيافيللي في “كتاب الأمير” (ص:107): “على الأمير الذي يرغب في الحفاظ على دولته أن يرتكب الشر أحيانا”. مما يدل على أن الرجل الأبيض يؤصل لارتكاب الشر.
ويقول في (ص:93): “وقد اعتبر قيصر بورجيا من القساة الغلاظ القلوب، ولكن قسوته جاءت بالنظام والوحدة إلى رومانيا، وفرضت عليها الاستقرار والولاء”.
ويقول، واصفا فظاعة ووحشية الرجل الأبيض إن “أجاتوكليس الصقلي”:”استدعى ذات صباح أهل سراكوزا ومجلس شيوخها، للتشاور معهم في قضايا بالغة الأهمية تتعلق بالجمهورية؛ وعند إعطائه الإشارة المقررة قام جنوده باغتيال جميع الشيوخ وأثرياء المدينة” ! (ص:54).
وهذا يدل على أن مكيافيللي لم يكن يُنَظِّر من خياله بل كان يصف واقعا ويستنبط أحكاما من وقائع حقيقية.
وفي واقعة أخرى أشد فظاعة يحكي ميكيافيللي أن “أولفرتو دافرمو” كان “طفلا صغيرا يتيما في رعاية خاله “جيوفاني فوجلياني”، الذي أرسله في ريعان شبابه ليعمل كجندي، إلا أن ذكاءه الحاد ونشاطه الجسدي مكناه من أن يصبح أحد قادة القوات المحاربة، فقرر الإجهاز على خاله الذي رعاه وكان له الفضل في مجده العسكري، فأعد خطة شريرة في اليوم نفسه الذي استقبله فيه خاله في مدينته أعظم استقبال، حيث استدرج خاله “أولفرتو” وكل علية القوم بعد وليمة كبيرة في “فيرمو” إلى غرفة جانبية… وما أن جلسوا في مقاعدهم حتى اندفع إليهم الجنود من أماكن اختفائهم وقتلوا الجميع بما فيهم “جيوفاني””! (ص:55-56).
وعلى العموم فكتاب ميكيافيللي تنظير وتأصيل للبشاعة والوحشية والإرهاب الذي كان يمارسه ولا زال الرجل الأبيض.
ولأنهم موغلون في الإرهاب إلى الأذنين، وهو عندهم عقيدة، لاحتقارهم من عداهم من الشعوب والأجناس؛ فإن الإغريق الذين أقاموا إمبراطوريتهم على الحرب والإرهاب جعلوا من آلهتم الباطلة إلها للحرب اسمه آريس، وهو المسمى مارس عند الرومان.
فالرجل الأبيض، وثنيا كان أو نصرانيا أو ملحدا يمارس الإرهاب على من خالفه، والحروب الصليبية ومحاكم التفتيش أكبر شاهد على ذلك.
أما إرهاب الدول الغربية المعاصرة فحدث ولا حرج. فهذه أمريكا راعية “حقوق الإنسان في العالم”، قامت على أنقاض شعب سموه خطأ الهنود الحمر، وغزاة أستراليا اغتصبوا أراضي الأبوريجينل، ووضعوهم في محميات كالحيوانات المفترسة، والأمر نفسه بالنسبة لكندا.
هذه الدول الثلاث التي بعد أن قامت على أنقاض إبادة جماعية لشعوب بريئة ومسالمة أراد الله تعالى أن يبقي على عشرات الآلاف منهم، ليكونوا شاهدي إثبات على الرغم من التعتيم والتواطؤ الإعلاميين الغربيين على إرهاب الرجل الأبيض على المستوى العسكري، ثم إرهابه لهؤلاء الأبرياء على المستوى الثقافي، إذ منعهم من التكلم بلغتهم وممارسة ثقافتهم التي وصفت بالوحشية، إضافة إلى سوء المعاملة والاستغلال الجنسي. بدليل الاعتذار الرسمي الذي قدمته أستراليا وكندا للسكان الأصليين.
ووصولا إلى القرنين العشرين والواحد والعشرين نجد أن الرجل الأبيض بقي وفيا للروح الإرهابية التي تسكنه، إذ أسست المخابرات البريطانية سنة 1949 تنظيم غلاديو الإرهابي بتمويل من وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، ثم تم غزو العراق بسبب أكذوبة نسجها الإرهاب الأمريكي من خياله و”صدقه” العالم، إما تواطؤا أو جبنا، وعاث في أرض أم الحضارات إرهابا.
ولازالت طائراته الإرهابية بدون طيار تحصد أرواح الأبرياء العزل في باكستان وأفغانستان واليمن، ولا حديث لمنظمات حقوق الإنسان العالمية عن هذا الأمر، كأن القتلى ذباب. لأن إرهاب المسلمين الآمنين في مساكنهم ليس إرهابا مادام الغرب يريد قصر هذا المفهوم عليهم كفاعلين ولا يلتفت إليهم كضحايا.
ومما يؤسف له هو انخراط الأنظمة العربية بقدها وقديدها في المؤامرة الغربية حول ما يسمى بمحاربة الإرهاب، ومن بينها النظام في المغرب الذي انخرط انخراطا كليا في هذه الحرب، فأحدث حالة احتقان غير مسبوقة بين أبناء الشعب، لأن الغريب أن تفجيرات الدار البيضاء ومراكش لم يتبناها أحد.
إضافة إلى الأعداد الهائلة من المغاربة الذين ألقي عليهم القبض، والمحاكمات السريعة والمستعجلة والفاقدة لشروط النزاهة باعتراف المحامين.
زد على ذلك قضية ريشار أنطوان الذي حكم عليه بالمؤبد على خلفية تفجيرات 16 ماي، والذي أكد أنه عميل للمخابرات الفرنسية -على الرغم من نفي السلطات الفرنسية لذلك الادعاء- والذي بدا يدخن في السجن، بل “أعلن” التخلي عن الإسلام و”رجع” إلى كاثولكيته في !2009 ثم تم ترحيله إلى فرنسا عندما وصل الاشتراكيون بقيادة هولاند إلى سدة الحكم، كل هذا يضع علامة استفهام حول هذا الملف!
ثم هذه الخلايا التي تتناسل بشكل غريب، هذا التناسل الذي يرسل رسالتين متناقضتنين في نفس الآن، رسالة مقصودة من الأجهزة الأمنية تتلخص في أنها تمسك بزمام الأمر. ورسالة باطنية تدل على أن المقاربة الأمنية فشلت في الحد من هذا “التناسل”!
وإذا عدنا إلى موضوعنا الرئيس حول الغرب وإرهابه، نتساءل سؤالا يحمل جوابه في مضمونه، ألا وهو: لماذا، مثلا، والأمثلة كثيرة، لم يوصف النرويجي “لاندرس بريفيك” بالإرهابي، وهو الذي قتل العشرات من الآمنين من بني جلدته، ورفض الاعتذار عن الذنب ورفع قبضة النصر في المحكمة، واعتبر أنه يشن حربا على النخب التي تجيز أسلمة أوربا؟
لا أحد على الإطلاق وصفه بالإرهابي، لأن المراد هو قصر هذا الوصف على المسلم.
فأحمد الحنصالي في عرف الاستخراب الفرنسي إرهابي، والمقاومة العراقية إرهاب، والمجاهدون الأفغان والشيشان إرهابيون.
أما إرهاب الرجل الأبيض فهو محمود، إن لم يكن ضروريا وحيويا للبشرية، لذلك فهم ينوعون أساليبه.
فهذه أمريكا العظمى اغتالت مواطنيها داخل الوطن، ومالكوم إكس ومارتن لوثر كينغ شاهدان على ذلك. كما اغتالت بن لادن خارج وطنها. وتلك بريطانيا اغتالت حسن البنا في وطنه، وخارج حدودها. وبلجيكا اغتالت باتريس لومومبا داخل وطنه، وروسيا اغتالت الرئيس الشيشاني الأسبق سليم خان ياندربييف بواسطة سيارة ملغمة خارج وطنه ووطنها.
أما اللقيطة الصهيونية فحدث ولا حرج عن إرهابها الذي أصبح كالماء والهواء، لأن مسلسل إرهابها لن ينتهي إلا بانقراضها من على سطح الأرض، فقد اغتالت فتحي الشقاقي في مالطا، وأبي جهاد في تونس وعبد العزيز الرنتيسي وأحمد ياسين في فلسطين، والمبحوح في الإمارات، وغيرهم كثير، ولا أحد يجرؤ على تحريك دعاوى ضدها، لأن أوكامبو فطمته أمه على السودان.
ولأن الغرب يفرض مصطلحاته ومفاهيمه علينا، فهو الذي يحدد معنى وزمان ومكان الوصف بالإرهاب، لأنه لحد الآن، وأمام الإرهاب الذي يمارسه طاغوت الشام وزبانيته، لا أحد -أيضا- وصمه وشبيحته بالإرهاب، ولو أنه يذبح الرجال والأطفال والنساء يوميا، بل أصبح لا ينهي مجزرة إلا ليشرع في مذبحة أخرى، والغرب أتخمنا بالتنديد والوعيد ولكن..آه لو يجدي الكلام.
فالأزمة السورية أوضحت بجلاء أنه بدون انخراط أمريكا ومسكها لزمام المبادرة في أي شأن من شؤون العالم لا يمكن لأي إجراء أن يرى النور، فالتمنع الروسي الصيني مثلا ضد أي تحرك جاد تجاه النظام النصيري ليس ذا أهمية، لو أن شهية المصالح الأمريكية كانت حقيقية في زهرة الشام، لأنه لو كان الأمر كذلك لما عدمت ألف وسيلة ووسيلة للتدخل العسكري كما فعلت في العراق وأفغانستان وليبيا.
لذا على المسلمين أن يتوكلوا على الله، ثم على أنفسهم، ولا ينتظروا إرهاب أمريكا أن يحميهم أو يحقق مصالحهم، لأن ذلك لن يحدث حتى يلج الجمل في سم الخياط، وإلا سيظلون تحت رحمة أمريكا وإرهابها أبد الآبدين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *