أختي أما آن الأوان أن.. عبد المغيث موحد

تنتابني أحيانا كثيرة أسئلة من قبيل “لماذا أكتب؟” و”لمن أكتب” والغريب العجيب وأنا أبحث عن إجابة شافية لهذا النوع من الكر على الذات والأنا، أجد نفسي مدفوعا إلى اجترار ذاكرتي لأقف وبإلحاح مجهولِ المصدر على شفا، أو كلمة في أول سطر في أول مقال حبَّرته بيميني، وكنت يومها لا أزال دخيلا أشعبا على هذه الوظيفة الشريفة، وظيفة التسلط على الباطل ورفع العقيرة في استنكاره، والغضب لحق يُنهب أو حقيقة تزيف، سيما إذا بلغ الجَور على الحقوق ووصل التحريف للحقائق دَرَكَة أنكى وأحرج صار معها المدلسون المغيِّرون يمضون في درب الحياة ينعمون بالأمان والتشريف، وكأنهم لم يفعلون شيئا يؤاخذون به، وكان ذلك المقال ردا على تلك المحامية “الرفيقة!” التي اعتلت منبرا من منابر الصيف في إحدى الدول الإسلامية لتشنف آذان الحاضرين: “من استقراء الواقع ومعاينة الحال فإن مواجهة “آفة الزنا” باتت كل محاولاتها مسبوقة بهزيمة وفشل ذريع”، وفي ظل حتمية الهزيمة هذه، فهي تقترح “سياسة من شأنها تقنين هذه “المهنة” وترشيد استعمالها” فيما يعود على “البلاد والعباد” بالخير العميم، سيما إذا استعملت بنات جنسها وأضيفت إلى النهر الخالد والجبال والغابات والمروج والأودية وهلم جرا من المميزات الطبيعية الخلابة التي أنعم الله بها على جغرافية بلاد العرب والمسلمين.

وهكذا ومن خلال ما جادت به علينا قريحتها أصبح في مقدور السائح الأجنبي وهو يتصفح المنشور السياحي أن يتخيل في ذهنه إمكانية حصوله على زيارة إقطاعية فريدة النوع واللون: أرض خصبة، وثمار يانعة، وبحر لجي، وشمس دافئة، ولحم بشري معروض للطلب والتصرف، وكنت يومها في ردِّي على هذا النوع من الاجتراء والصفاقة قد استنجدت بأنموذج من بضاعة الوراء! “بزعمهم”، حيث واحدة من أمهات ذلك الجيل الفريد قد جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم راغبة في خلع ربقة الجاهلية واعتناق الحنيفية السمحة فقال لها الرحمة المهداة: “تبايعيني على الشهادتين وباقي الأركان” فأومأت له بالإيجاب والقبول، ثم قال لها عليه الصلاة والسلام: و”على ألا تزنين؟!” فتمعر وجه هذه الشريفة العفيفة وانتابها نوع من الاستغراب وردت على سيد المرسلين فقالت وقولها حق: “وهل الحرة تزني يا رسول الله؟!”، سؤال إنكاري يكاد يكون توبيخي لمن تزني من الحرائر بين يدي سيد البشرية، سؤال عَمِلْتُ من خلاله على إعمال قواعد المقارنة بين جيل الوراء وجيل القنطرة من أهل الاسنتساخ والحداثة والعولمة.. الذين يبغونها عوجا والذين لا يستحسرون ولا يفترون إلا إذا أقاموا للباطل صرحا، وللزيف صنما ونصبا، وللأسف فالدنيا لم تخل في القديم ولن تخلو في الجديد من مُروِّجي البضائع الفاسدة من الأفاكين الذين يؤثون الكذب على الصدق ثم لا يستحيون من الصياح به، لكننا ورغم الإقرار بوجودهم وجودَ كثرة إلا أننا لا نملك إلا أن نطمئِنَّ ونطمئن الأخيار بحقيقة ثابتة راسخة في الفؤاد مفادها: أنه وفي كل صراع بين الحق والباطل يقرر الله حكمه الحاسم وهو خير الحاكمين: “فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ”.
وتسليما لهذا الحكم الحاسم نخوض معركة الكلمة ضد هذا اللون من الفكر الشاذ المنحرف مؤمنين أن هدم أركان وقواعد هذا البيت الضرار لا يمكن إلا أن يأتي عن طريق مقارعة كلمة الحق والصدق لكلمة الباطل والبهتان، ذلك أن الباطل وهو في طور التنظير يحسبه الظمآن الحيران ماء، أما وقد تحول إلى فعل وسلوك فإن الطباع تردُّه وتنفر منه، ولذلك فأيما نظرية زيغ كتب لها أن تترجم إلى استهلال وحركة لم تعمر إلا ردهة من الزمن ثم أتاها أمر الله فأصابها الكبر وأصاب المروجين لها النصب واللغوب، ثم كان حكم الله فأخذها وهي رميم وأخذ أصحابها وهم في طوقها يصطرخون.
فإلى كل عفيفة طاهرة غيورة على ثغر الدين وشرف العرض نهدي هذه الكلمة التي هي معركة قَادَنا إليها ما أوجبه الإسلام في قلوبنا وقلوب المؤمنين من غيرة هي من جنس غيرة العبد لربه لا عليه، مؤمنين أن سعدا أغير منا، وسيد الخلق أغير من سعد، والله أغير من خلقه أجمعين.
أخيَّتي، يؤسفني أنك لا تزالين ضحية الذين يرسمون على ظهرك لوحة سريالية فيبيعونك باسم التحرر والانعتاق والمساواة والحقوق في سوق النخاسة بالجملة جسدا، وبالتقسيط شعرا وصوتا وابتسامة، يقاسمونك كما قاسم إبليس من أنت فرع منه، فيهمسون في أذنك بصوت الناصح الأمين ويوسوسون في صدرك عبر الأثير أن الحجاب اعتداء على حقك في الحياة، وأن الزواج اغتصاب لنعمة الحرية، والبيت سجن مؤبد، والزوج جلاد قاهر، والقوامة سيف غادر، والأمومة غريزة أنعام، فكان أن أكلت من تفاحة التدليس وشربت من سراب الغبن، واستبدلت الذي هو أدنى بالذي هو خير حتى صارت أنوثتك بضاعة رائجة ومروجة، فمرة يبيعون بابتسامتك فرشاة الأسنان، وتارة طلاء الجدران، وكرّة كبسولة “الشمبوان” فعاد وجهك حيثما حل وارتحل رمزا للربح وعملة لكل مُضارب سمسار.
أخيتي بمن تقتدين؟ بحضارة الغرب!؟
فقد سمعنا أن هناك دور البغاء تحشر النساء فيها خلف زجاج “الفتارين” لكي تنظر الذئاب الجائعة ثم تختار ما يعجبها أن تفترسه بسعر زهيد قد لا نحصل به على الكيلو الواحد من فاكهة الأرض اليابسة، هذا وعلى أحسن تقدير فإنهم يجلسون على طاولة بينما تقف بنت جنسك عارية ليقيسوا الخصر والقد والثغر والابتسامة وهلم جر من مظاهر الأنوثة عندك، ذئاب تحمل عيونا مِلِمِترية تقيس كل شيء دون حياء أو خجل، لتأتي بعد هذا كله النتيجة: لقب هو أقرب للوهم منه إلى الحقيقة “ملكة جمال العالم” فيا لها من فوضى عارمة، أيُّ عار هذا الذي ألبسوك جبته، وأيُّ خزي هذا الذي وسموك به.
أخيتي، أما آن الأوان أن تقفي لتنتفضي وتميطي اللثام عن زيف اللئام، وتعيدي النظر في هذا السيل العرم من خرص الظنون الذي يسمونه حق المرأة في التحرر، وكسْر قيد الإسلام الذي بزعمهم شلَّ فيك روح الإبداع وأمات فيكِ كل ما هو جميل.
أخيَّتي، إننا لنأبى إلا أن نتكلم بالنيابة عنك وأن نخوض المواجهة بالوكالة عنك ليس لأنك كما يُروِّجون من فهم خاطئ لقول سيد الخلق: “..ما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب لذي لب منكم”، فيفسرون نقصان العقل بالحماقة ويجعلون نقصان الدين مرادفا للمعصية والأنوثة رمز للخسة والهوان، بينما إن تدبرت الأمر لاستحال في نظرك الجمع بين قوله هذا وقوله في مواضع أخرى: “استوصوا بالنساء خيرا” وقوله: “خيركم: خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي”، وقوله صلى الله عليه وسلم: “حبب إلي من دنياكم الطيب والنساء”، فهل هي محبة مِن كامل الخلق والخلُق لنقصان العقل والدين؟! وهل وصيته عليه الصلاة والسلام للمسلم ببر أمه أضعاف بره لأبيه مبناها على إجلال نقصان العقل والدين؟!
أخيتي، لقد أغناك الإسلام عن تجارب الخطأ والمرارة التي مفضاها بك إلى معيشة الضنك المليئة بالأحاسيس المسعورة والأهواء الجارفة، أغناك ليُعطيك البديل من جنس الحياة الطيبة التي ملؤها الفكر والسلوك السوي وأساسها الحقوق المتبادلة، إعمالا لمبدأ النساء شقائق الرجال مع امتياز القوامَة “وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ”.
أخيتي، من قال لك أن الإسلام يكره تجملك أو رغبتك في أن يكون لباسك حسنا؟ ولكن ثمة فرق بين التجمل والسفور والاحتشام والإثارة، كما أنه ثمة فرق بين بيت عامر ووكر مخرب.
إن الإسلام لم يجرِّدك كما عمل رواد مدرسة “ديكارت” فأخضعوك إلى “طاولتهم الجرداء” ليضعوا أنوثتك في حقل التجارب الماكرة، إن نصوص الكتاب وسنة سيد الخلق لم يتناولا موضوعك بغير صفة، فأنت في ظل الإسلام الأم والأخت والصاحبة وهلم جرا من الصفات القريبة من القلب والكبد.
إن الإسلام حماك في حصونه فما عليك إلا أن تختاري بين النكاح في ظل بيته والسفاح في أروقة أهل الكذب، وأن تختاري بين عدله المقرر والمساواة المزعومة في ظل شريعة الغاب، وأن تختاري بين الذين شروك بضاعة وكانوا فيك من الزاهدين، وبين أهل التقوى الذين يشترطون لمصافحة اليد الكريمة دفع المهور وضرب الدفوف وعق الشاة وشهر الزواج، وأن تختاري بين أن تكون ضرتك بتعدد شرعي عفيفة محصنة، أو أن تكون بغيا بل بغايا يبعن الهوى ومعه الأوجاع التي لم تكن معروفة في أسلافنا، وأن تختاري بين من ينادي بإطلاق العنان لمظاهر أنوثتك كي تُهيِّج وتُردي، وبين من نادى عليه الصلاة والسلام وأوصانا معشر الشباب بتجويع المعدة وغض البصر فإنه صوم، والصوم لنا وجاء ولك عماية من اعتداء المعتدين.
فالله سبحانه قد هداك النجدين فاختاري..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *