العبادةُ اسمٌ جامعٌ لكلِّ ما يُحبُّه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة، وهذا هو أحسن ما قيل في تعريف العبادة، وللعبادة أهميةٌ عُظمى؛ ذلك أنَّ الله عز وجل خلق الخَلقَ وأرسل الرسلَ وأنزلَ الكتبَ للأمر بعبادته والنهي عن عبادة غيره، فقال سبحانه وتعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ﴾، أي: خلقهم الله لأمرهم بعبادته ونهيهم عن معصيته.
والعبادة أنواعٌ كثيرة؛ منها الخوف والرجاء والتوكل والرغبة والرهبة والإنابة والاستعانة والاستغاثة والذبح والنذر وغير ذلك من أنواع العبادة.
ومن العبادات؛ أركان الإسلام وهي التي اشتمل عليها حديث جبريل المشهور وغيرها من أعمال الجوارح.
ثمَّ إنَّ العبادة لا بدَّ في قبولها من شرطين؛ أحدهما: إخلاص العمل لله.
والثاني: تجريد المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
فلا بدَّ من تجريد الإخلاص لله وحده، فلا يُشرَكُ مع الله غيره، ولا يُصرفُ من أنواع العبادة شيء لغير الله سبحانه وتعالى، و لا بد من تجريد المتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم، فلا يُعبد الله إلاَّ وفقاً لما جاء به الرسول الكريم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، وهذا هو مقتضى شهادة أن لا إله إلاَّ الله وشهادة أنَّ محمداً رسول الله.
ولا شك ولا ريب أن للعبادات التي يتقرب بها إلى الله تعالى وفق شروطها الشرعية آثارا حسنة على العبد المسلم منها: انشراحُ الصدر، وراحةُ البال، وسَعةُ الرزق، وسلامةُ الإنسان وارتياحُه واطمئنانُه.
وقد جاء في القرآن آياتٌ كثيرة، وفي السنة النبوية أحاديث عديدة، تدلّ على تلك الآثار، وعلى أنَّ تقوى الله عز وجل والأعمال الصالحة يترتب عليها سعادة الدنيا وسعادة الآخرة.
قال عز وجل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا﴾ وهذه عبادة، ثم ذكر الأثر المترتب على ذلك بقوله: ﴿يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾، فإنَّ إصلاحَ الأعمال، ومغفرةَ الذنوب في الآخرة من الآثار المترتبة على العبادة، فقد اشتملت هذه الآية الكريمة، على ذكر آثار تترتب على العبادة في الدنيا وفي الآخرة، ففي الدنيا إصلاح الأعمال والتوفيق والسداد، وأن يكون الإنسان يسير إلى الله عز وجل على بصيرة، وفي الآخرة مغفرة الذنوب، وتكفير السيِّئات.
وقال الله عز وجل: ﴿وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ﴾ فهذه الآية الكريمة فيها أنَّ تقوى الله عز وجل وهي عبادتُه وطاعته بامتثال أوامره واجتناب نواهيه يترتب عليها الإخراج من المآزق ومن الشدائد، وكذلك يرزق الله عز وجل مَن أطاعه واتقاه من حيث لا يحتسب.
ومِمَّا جاء في السنة المطهرة في بيان ما يترتب على العبادات من الآثار الطيبة في حياة المسلم ما جاء في وصية النَبِيِّ الكريم صلى الله عليه وسلم لابن عباس رضي الله عنهما حيث قال عليه الصلاة والسلام في تلك الوصية العظيمة النفيسة: “احفَظ الله يحفظك، احفظ الله تَجده تجاهك..” ،”احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده أمامك تعرَّف إليه في الرَّخاء يعرفك في الشدة” حديث صحيح.
وحفظ الله عز وجل لعبده يدخل فيه نوعان:
حفظه في بدنه وماله وأولاده وأهله.
وكذلك حفظه في دينه بأن يَسلم من الشبهات المضلَّة ومن الشهوات المحرمة.
فيكون بذلك على سداد وعلى استقامة في أمور دينه ودنياه، وهذا من حفظ الله عز وجل لِمَن حفظه، فالعبدُ يحفظ اللهَ عز وجل بحفظ حدوده والقيام بأوامره واجتناب نواهيه، واللهُ تعالى يثيبه على ذلك الحفظ حفظاً من جنس عمله، والجزاء من جنس العمل.
فإنَّ قوله: “يحفظك” هذا جزاء، وهو من الآثار المترتبة على العمل الصالح، وهو جزاء من جنس العمل، وقوله: “احفظ الله تجده تجاهك” أي: أنَّك تجد الله عز وجل أمامك فيحوطك ويرعاك، ويحفظك من كلِّ سوء، وقوله عليه الصلاة والسلام: “تعرَّف إليه في الرخاء يعرِفْك في الشدَّة” أي: أنَّك إذا لزمت طاعةَ الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم في حال رخائك، وفي حال سعتك، فإنَّ الله عز وجل يُثيبك بأن يحفظَك في الشدائد وفي حال وقوعك في المضايق.
ثم إنَّ من العبادات الصلاة والزكاة والصيام والحج، وكلُّ واحدة منها لها آثار طيبة في حياة المسلم.
فالصلاةُ هي عمود الإسلام، وهي التي تنهى عن الفحشاء والمنكر، وهي صلةٌ وثيقةٌ بين العبد وبين ربِّه، فإذا حافظ الإنسانُ على الصلوات في المساجد جماعة مع المسلمين فإنَّه تقوى صلته بالله عز وجل، لأنَّه يكون على صلة بالله دائماً وأبداً في اليوم والليلة، يصلي لله خمس مرات صلوات مفروضة، وكذا ما يأتي به من النوافل فإنَّ الله سبحانه وتعالى يثيبه على ذلك كلِّه، فيبعده عن الفحشاء والمنكر؛ لأنَّه إذا همَّ بمعصية وهمَّ بأمر منكر، تذكَّر لماذا يصلي؟ ولماذا يلازم الصلاة؟ إنَّه يفعل ذلك رغبة فيما عند الله من الثواب وخوفاً مما عنده من العقاب، فإنَّ صلاته تنهاه عن الفحشاء والمنكر، فيكون بعيداً عن الفحشاء وبعيداً عن المنكر، قال الله عز وجل: ﴿وَأَقِمِ الصَّلاَةَ إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ﴾.
ثم إنَّ الزكاةَ آثارُها عظيمة؛ فهي تطَهِّر النفسَ من الشُّح والبخل، وتطهر المال، وتكون سبباً في نمائه وكثرته، ويحصل بها ما يسمى في هذا الزمان (بالتكافل الاجتماعي) وهو أنَّ الأغنياءَ عندما يخرجون زكاة أموالهم ويعطونها للفقراء، فإنَّ الفقراء تنسد بذلك حاجاتهم ويحصل لهم القوت بسبب هذا الحق الذي فرضه الله عز وجل في أموال الأغنياء، وقد جاء في حديث معاذ بن جبل المتفق على صحته قوله صلى الله عليه وسلم: «فإن هم أجابوا لذلك -أي استجابوا للصلاة- فأَعلمهم أنَّ الله افترض عليهم صدقةً في أموالهم، تُؤخذ من أغنيائهم فتُرَدُّ على فقرائهم» ففي إخراج الزكاة نفعٌ كبير للأغنياء حيث تتطَهَّر نفوسُهم، وتنمو أموالُهم، ويُثابون على إحسانهم إلى إخوانِهم المسلمين، الذين حصل لهم الفقر، وحصلت لهم الفاقةُ والشِّدَّةُ، فيحصل إغناؤهم بهذه الصدقة التي تَسدُّ حاجتهم، وتقضي عوزَهم، والله عز وجل فرض الزكاةَ في أموال الأغنياء على وجه ينفع الفقير، ولا يضر الغني، فهي جزءٌ يسيرٌ من مالٍ كثير تفضَّل الله عز وجل به وجاد، وأوجب ذلك القسط القليل الذي لا يؤثر على الغني إخراجه وهو ينفع ذلك الفقير الذي أعدم ولم يحصل له شيء من المال.
وأمّا الصيامُ فإنَّ آثارَه عظيمةٌ، ونتائجَه كبيرةٌ، وذلك أنَّ في الصيام جُنَّةً، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “الصيامُ جُنَّة” متفق عليه.
فهو جُنَّةٌ من النار، ووقايةٌ منها في الدار الآخرة، وهو جُنَّةٌ من المعاصي؛ إذ إنَّ فيه إضعاف قوة الشهوة في النفس، فيكبح جِماحَها، ويحول بينها وبين أن تقع في المزالق، وتقع في الأمور المحرمة، بسبب التمتع بالنعم والتلذذ بها، فإنَّّ النفس قد تقدم بسبب ذلك على ما لا تحمد عقباه في الدنيا والآخرة،
وأمّا الحجُّ فإنَّه عبادة عظيمة، افترضها الله عزَّ وجلَّ على عباده في العمر مرة واحدة، وهي تشتمل على أمور تتعلَّق بالمال، وأمور تتعلَّق بالبدن، ولها آثارٌ طيبة، ونتائج حميدة في حياة الإنسان، وقد جاء عن النَبِيِّ الكريم عليه الصلاة والسلام: “العمرةُ إلى العمرة كفارةٌ لِمَا بينهما، والحجُّ المبرورُ ليس له جزاء إلاَّ الجنّة” متفق عليه.
والحاصل أنّ هذه العبادات العظيمة التي شرعها الله عز وجل، تترتب عليها آثار طيبة في حياة المسلم الدنيوية، وآثار عظيمة في حياته الأخروية.
وفقنا الله وإياكم لكل خير، وأعاننا على كل بر إنه ولي ذلك والقادر عليه.