تحدّيات في وجه شريط مشروخ لاكه ويلوكه الدكتور الفايد..   محمد بوقنطار

إشارة لابد منها في سياق المدافعة والتحدِّي:

يروي المعتزلة أن واصل بن عطاء عندما أنفذ عثمان الطويل ـ هو شيخ أبي الهذيل ـ لينشر مذهب الاعتزال في (أرمينية) أوصاه وصية استراتيجية تعينه على تحقيق مقصود السفارة هنالك فقال له: “الزم سارية من سواري المسجد سنةً تصلي عندها، حتى يُعرف مكانك، ثم أفتِ بقول الحسن سنة، ثم إذا كان يوم كذا وكذا من شهر كذا فابتدئ في الدعاء للناس إلى الحق…”.

ولاشك أن سوق هذه الرواية له ثقله ودلالته في منهمك الصدد، ذلك أن من تتبع سيرة هؤلاء المتحوّلين من أقصى اليمين إلى أقصى الشمال وجد أن لهم مشتركات سلوكية واحدة، بدايات مشرقة وجهود محرقة تتأسّس بالقرب من سارية النطق بالحق والتلبس بالصدق قولا وفعلا واعتقادا، ثم بعد هذه المقدمات التي تصنع قواعد الأدب والمحبة والتعلق في صدور الناس ونواصيهم تجاه هؤلاء حد الشهرة والاقتداء، يأتي يوم كذا وكذا من شهر كذا… ليتغيّر الدور، وتتبدل المهمة، ويتم الانتقال في جُنح النهار، فيشرع المتغيِّر في تشخيص دور مجاف، وظهور معادٍ مناهضٍ في حقد لدور المقدمة، ومن هول التحوّل ومأساة التحوّل قد يعتقد المرء المصدوم في يقين وقسم أنه أمام شخصين لا شخص واحد.

وهاهنا لفتة نؤز بها من يعتقد في طافح سذاجة أن هذا الانتقال تم فجأة وحلّ بغتة، ولعله اعتقاد عادٍ وتوهم طبيعي لا يُلام عليه الناس بالنظر إلى تأثير المقدمات البيضاء من سيرة المتحوّل هذا أو ذلك عليهم، ولاريب أن من نظر إلى الحالات التشخيصية لأناس كنا نتوهم أنّنا نعرف حالهم حد الاطمئنان، وبتنا اليوم نعرف ما آلت إليه أحوالهم من مروق وتمرد وصلف مواجهة للدين وأهله، وصفاقة وتطاول على كل شيء فيه ريح إسلام قلّ نظيرها حتى عند من تربوا ونشأوا يشهرون ورقة الإلحاد في وجه مجتمعاتهم ذات الطابع المحافظ.

إن سُكر المكر والفكر ومنه التلوّن السلوكي لهو أخطر وأدهى من سكر الخمر، ولذلك كان الأمر بالعكوف عند سارية الصلاح مدة من الزمن مدبرة المقرّرات، مقررة اللحظات، خطة واستدراجًا نرى له وقعه في خلخلة الأمن الروحي للناس وإفقادهم الثقة في أحكامهم ومسلملتهم السابقة، خاصة عند نقطة التحوّل الفُصامي النكد، ومن ثم تبرز أهمية استراتيجية لزوم السارية ونجاعتها في سوق الناس بين يدي مردوف الخرجات، وتعاقب ليل بث الشبهات، قلت سوقهم نحو أتون الفتنة وجحر المجهول، وهوّة الهلاك، وذلك ما يبغي المُدبّر وما ينبغي على المقرر في شأنه خوض عملية تنفيذه مآلا.

توطئة بين يدي جملة التحديات والرد على الدكتور “الفايد”

صنعة تزيين الباطل وزخرفة الافتراء بالألسن والأفمام، هي حرفة المبطلين والمفترين، ولم يزل هذا الغرور تتلبس فتنته بخصوم الأنبياء والمرسلين إلى أن تقوم الساعة، وقد أخبر ربنا جل جلاله على “جعله الكوني”هذا في إثبات

حقيقة ومسلّمة انتهاض الأعداء من شياطين الإنس والجن في وجه دعوة ورسالة كل نبي مرسل، فقال سبحانه: “وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورًا ولو شاء ربّك ما فعلوه فذرهم وما يفترون”

ولاشك أن هذا التحوّل، وهذا المروق وهذه الحيدة التي مست لوثتها السيد الدكتور “الفايد” بنصب وعذاب تأتي غير معزولة عن سياق سلوكي وفكري لم يعد مجاله مفتوحا على الحصر في وجه النخب الفكرية ذات التخصص المعرفي، بل قد أُشره الباب تحت طائلة هذه الثورة التواصلية، التي سنح زجاج نوافذها المنكسر للأغمار والعوام من فاقدي التخصص بالانهماك والانخراط بكل ندّية وصفاقة في سجالات فكرية كان لا يقرب حماها ولا يحوم حول حياضها ذات الشأن والقداسة إلا الصناديد من هامات الكفر وقامات الفكر والتخصص، ولعل ما تلبست به هذه الدعاوى والمزاعم والظنون من بساطة وعباطة هيّأ لباطلها مستوى عالٍ من الذيوع والانتشار، بل صادفت هوى في قلوب النخب المتربصة في عداء لكل ما فيه ريح إسلام وإدام سُنة.

إن خرجات الفايد لم تكن منفكة ولا معزولة عن واقع موبوء متصل السند، تحكي تفاصيله غربة الإسلام الثانية، حيث حظي اقتحام عقبات النص والجرأة على أحكام الشرع، بتأشير ضوئي أخضر، يدشن لتمرد وبغي وسطو لا مثيل له، ويعطي صك الإذن للمرور والعبور إلى التيه، والضلال، والانحلال، والبهيمية، والأنعامية، باسم الحرية والمعاصرة والتمدن والمواكبة الحضارية للتطوّر المادي المُبهر.

غير أن ثمة حقيقة لا يمكننا أن نتجاهلها، أو أن نكتم شواهدها، فهي باتت في هذه العتمة تشكل نقطا بيضاء نورانية مافتئ ضوؤها يكسب الجولات تلو الأخرى، ذلك أن المتتبع لهذه الفتن على مواقع التواصل الاجتماعي، وهو ينحو بفأرة الحسوب، أو يزلق سبابته على شاشة هاتفه النقال تجاه السفل، متنقلا بين أريج وعطر التعاليق الجماهيرية الفواح بردود الفعل واستدراكات الخاطر التي تقر بها العين ويطمئن لها الفؤاد، وتؤكد في تصديق وإيمان  خبر سيد الخلق عليه الصلاة والسلام عندما قال: “من قال هلك الناس فهو أهلكهم”، وتقرر في استبشار واطمئنان، أننا ننتمي إلى أمة موصولة بالله محفوظة بحفظ كتابها ما دامت السماوات والأرض…

التحدي الأول

إن كانت قواعد النقد عندك قد اطرد جهدها وتجرد العقل منك دفعا للباطل، وإحقاقا للحق، وانتصارا لما صرت تراه الإسلام المناسب، والقرآن المناسب والسنة المناسبة، والخطباء المناسبين، فأنا أتحداك وقد كدت تكون على الشيخ المحدث الألباني رحمه الله لبدا، وإنّما محل اتهامك له بتدجين شباب الأمة الملتزم كان هو جهده في نخل الأحاديث، وتصفية تراثها النقي، وإزالة كل شائبة مدخولة قد تسوّرت محراب الرواية والدراية بغيا واعتسافا، ومن ثم يلوح في الأفق ويتنزل مشروع التربية كرديف لاحق لجهد التصفية وذاك مبلغه من الجهد وذلك محل اللوم والاستدراك منك له وعليه.

أتحداك أيّها الغيور على العقل الصريح والإسلام الصحيح أن تنبس ببنت شفة تنتقد فيها أو تتهم شيخا من شيوخ الزوايا الصوفية فترميه بالشرك والتلبيس والخرافة، وإنّما سبق العلم منك والفهم أنّها أديرة صار لسدنتها سطوة ولآلها نفوذ وحظوة فطفقت صامتا صمت من في القبور، وقد تكلمت – ولم نتكلم – عن نجاسة الدم المسفوح ومضرته، وحذرت من خطورة مجانبة الذكاة على الطريقة الإسلامية الغراء، ثم رأيت كما رأينا ولغهم للدم المسفوح وافتراسهم للأنعام وهي حية يلوى منها الرأس عنوة حتى تفصل تحت مكاء المريدين وتصدية المتفرجين، وأكلهم الشوك، وعجنهم الزجاج، وشربهم للماء الحار الشديد السخونة، وكلّها أعمال وسلوكيات منافية لما ناديت إليه، مواطئة لما حذرت منه وأسّست لنقيضه، بل أتعبتنا وأخفتنا حتى صرنا نتوجس خيفة فنحرم المباح والطيب منه، ناهيك على أنها طقوس خاصمت العقل الصريح وجافت الإسلام الصحيح.

فيا عجبا لمن يرى القذى في عين غريمه وخصمه، بينما جذع له نواة مغروز في مقلة جاره وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنبِ منه.

فهذا تحدينا الأول لشخصكم، فأسمعنا ما يحيلنا على دركة البهت والخذلان وخسران هذا الرهان…

يتبع..

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *