إلى الذين أرادوا العزة بغير الإسلام فأذلهم الله.. ارجعوا فالطريق من هنا “أمة الإسلام كانت بالإسلام ولن تكون إلا بالإسلام” أحمد اللويزة

تصيب الإنسان حيرة ويكاد العاقل يجن حين لا يفهم ما يجري حوله؛ فكل الأمم تسير إلى الأمام تقدما ورقيا ومكانة إلا أمة الإسلام، لكن لنعيد شريط الأحداث فنقول:

“لقد كنا أذل قوم فأعزنا الله بالإسلام، فمهما ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله” إنها كلمة قالها الفاروق عمر قرونا خلت ولا زال صداها مدويا إلى اليوم، لعلها تقرع آذنا صما وتخترق قلوبا غلفا لطائفة تمارس القهر على الذات وعلى الغير لتغير من حقيقة الواقع شيئا وأنى لها ذلك.
نعم فبالإسلام ساد رعاة الإبل وحكم البدو الرحل وتحضر العربي وتبدل وتغير عمر من رجل فظ غليظ على المسلمين إلى وديع رحيم يخشى أن يسأل عن الدابة فكيف عمن ولاه الله تعالى أمرهم.. لقد غيره الإسلام وأعاد تربيته، وكان قبل ذلك يقول المسلمون الأوائل “لا يسلم عمر بن الخطاب حتى يسلم حمار الخطاب”، لمِا كان عليه من القسوة عليهم، لكن كان إسلامه بعد ذلك عزة لهم كما قال ابن مسعود رضي الله عنه.
لقد دانت الأرض شرقا وغربا لقوم لم يعرفوا للحياة نظاما لا سياسيا ولا اقتصاديا ولا اجتماعيا حتى جاء الإسلام واعتنقوه فأعزهم بعد ذل ومكنهم بعد قهر، وصار عمر أميرا للمؤمنين تجبى إليه خيرات الأرض ويقسمها بين الرعية بالسوية غير طامع ولا مستبد، كيف لا وهو صنعة الإسلام.

الإسلام صمام الأمان والتفريط فيه سبب الهوان
لم يزل المسلمون في عزة وتمكين ما داموا مستمسكين بالإسلام كُلاّ لا تجزيئا، وما أن تصيبهم مصيبة بسبب تقصير في دينهم أو تفريط حتى يفزعوا إليه فتعود إليهم الدولة، وترتفع راية الإسلام من جديد، والتاريخ على ما نقول شهيد.
فقد اصطدم موج التتار الهادر بصخرة الإيمان وتلاشى لما عاد المسلمون عودة صادقة إلى الدين، ونفس الكلام قُله عن الحملات الصليبية البغيضة والتي لم تستطع النيل من الإسلام وأهله فكانت تعود خائبة خاسئة في كل جولة تخسر جموعا أسلموا من جنودها ورعاياها منبهرين بعزة المسلمين التي منحهم إياها الإسلام، ولم تكن لهم النصرة لو لم ينفلت المسلمون من غرز الإسلام وما أخبار الأندلس السليب عنا ببعيد.
لقد انتكس المسلمون وهم مفرطون في شيء من دينهم فكيف وقد فرطوا في أكثره وراحوا يتلمسون المجد متمسكين بخيوط العنكبوت ومصدقين خدع السراب متخذين الغربان أدلة إلى العزة ولكن:
إذا كان الغراب دليل *** قوم قادهم إلى الجيف
هذا هو حالنا مع قوم تولوا ولايات عامة ألسنتهم معنا وقلوبهم وأفعالهم علينا، يريدون لنا العزة بغير الإسلام وأنى لهم ذلك، يريدون منا أن ننخلع عن الإسلام لنلبس رداء الحضارة العفنة لعلنا يقال عنا متحضرون، ويريدونا أن نولي وجوهنا قبل الغرب عوض الشرق، ونحو البيت الأبيض عوض بيت الله الحرام، يريدون منا أن نجعل من الإسلام الذي ننتسب إليه رسوما وعادات لا تقدم ولا تأخر، ناسين أو متناسين أننا أمة الإسلام كيان مستقل بذاته لا يمكن له الانصهار مهما بلغت درجة حرارة الآخر أو المحرض على الانصهار، وهاهي السنون مرت ولم يتحقق ما كان يصبوا إليه الاستعمار الغاشم ومن تركهم في المهمة بعد أن خرج.
إننا أمة إسلامية الكيان ولن تجد ذاتها إلا في الإسلام وليس لها عز إلا فيه وليكُف أولئك المغتربون عن ضرب الأمثال بقوم اتخذوا من دون الله أوثانا آلهة وبارزوا الخالق بالعصيان، فإن نفعهم نهجهم في الوصول إلى عرش الرقي المادي فإنها وصفة لا تليق بنا لاختلاف المنطلق والهدف معا، فنحن بالإسلام وللإسلام نعمل، وصلاح دنيانا يبدأ بصلاح ديننا، وليس العكس، وهذه هي وصية النبي صلى الله عليه وسلم حين قال: “إذا تبايعتهم بالعينة، ورضيتم بالزرع، وأخذتم أذناب البقر، وتركتم الجهاد في سبيل الله، سلط الله عليكم ذلا، لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم” (رواه أبو داود، وأحمد وهو صحيح).
فانظروا كيف كان صرف الهم إلى الدنيا وترك الآخرة سببا في الذل الذي نزل علينا من كل جهة، فلِكَي يُرفع لابد من الرجوع إلى الدين، وليس كما يراه المتغربون المرتزقة في إبعاد الشقة بيننا وبين الاسلام وهو ما سيترتب عليه مزيد من الذل والواقع خير شاهد على ما نقول.
خدمة الدين هو أصل صلاح الدين والدنيا
لقد ضَحّى الصحابة والتابعون بالدنيا من أجل الدين، فمكن الله لهم في الدنيا وبارك لهم في الدين، كما قال عز وجل: “وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ” (النور)، فشرط الاستخلاف في الأرض وتمكين الدين وتحقيق الأمن الذي هو غاية الشعوب أن يعبد الواحد الأحد ويتمسك بغرز الإسلام لا غير.
أ فوصية ربنا خير أم ما يدعو إليه المتربصون بالأمة؟!
فإذا كنا مسلمين فليس لنا إلا اتباع نصائح الإسلام للخروج من بوتقة الذل والهوان، ونبذ ما سوى ذلك من أفكار التغريب والاستلاب.
لقد آن الأوان لدعاة الانحلال والانصهار أن يعودوا إلى رشدهم ويطلبوا العفو من الله والصفح من الشعوب التي جثموا على صدورها عقودا من الزمان، فلم يجلبوا لها إلا الذل والانكسار، يكفيكم من التطرف العلماني والإرهاب الحداثي، فمنذ الاستقلال إلى اليوم لم نجن من منهجكم الذي اتبعتموه خيرا، فتعالوا فالخلاص في الاسلام، وهو نقطة البدء والانتهاء، فلقد كان التمسك بالهدي الرباني سبيل الخلاص للأمة في كل محنة وها هو الصديق يبعث جيش أسامة إلى الروم بعد أن جهزه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمّر عليه الشاب أسامة بن زيد، وأبى أن يرده أو يغيره أبو بكر رضي الله عنهما بناء على رأي بعض الصحابة تمسكا منه بهدي النبي صلى الله عليه وسلم. فعل هذا وبعض قبائل الأعراب من حول المدينة مرتدة تريد أن تغير عليها، وكان القرار حاسما لا رجعة فيه فكان ما كان.
لقد كان إنفاذ جيش أسامة رضي الله عنه أعظم الأمور نفعاً للمسلمين، فإن العرب قالوا: لو لم يكن بهم قوة لما أرسلوا هذا الجيش، فكفوا عن كثير مما كانوا يريدون أن يفعلوه، ونصرَ اللهُ جيش أسامة وأعزَّ الأمة بالتمسك بغرز الإسلام، وتكفي هذه الواقعة عن غيرها من الوقائع وما أكثرها عبرة واللبيب تكفيه الإشارة.
ويكفي مغامرة بكيان الأمة ومتاجرة بهويتها، وليتأكَّد بنو علمان أن بينهم وبين ما يشتهون خرط القتاد(1)، فلم تجن الأمة من قيادتهم لها إلا التخلف والانحراف، والقهر والتقهقر، لقد ابتغوا العزة بغير الإسلام فأذلهم الله، وكنتم سببا في ذل أمتكم ونسوا أن العزة في امتثال أوامر الله ورسوله واتباع سبيل المؤمنين لا بفصل الدين عن الدولة، “وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لاَ يَعْلَمُونَ” المنافقون.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1- خرط القتاد: وهو مثل سائر بين الناس، ويقال: “دون ذلك خرط القتاد”، الخرط: هو القبض باليد على أعلى القضيب، والقتاد: شجر صلب له شوك كالإبر، يقال: من دون هذا الأمر خرط القتاد أي: إنه لا ينال إلا بمشقة عظيمة، وأن “خرط القتاد” أسهل من هذا الأمر الذي نحن بصدده وإنما يضرب للأمر دونه مانع.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *