المدارس القرآنية داخل المنطقة العسكرية في النيجر (زيندير) ذ.إدريس كرم

تقديم:

هذا الموضوع المتميز الذي يتحدث عن دور المدارس القرآنية، في مناهضة الهيمنة الاستعمارية في دولة النيجر، مما يدل على أن النظرة العدائية لمعلمي تلك المدارس وطلابها لها ما يبررها، سواء كان في النيجر أو المغرب، وأن مقولة ليوطي على القرويين وروادها خير دليل على ذلك.

فلا عجب عندما نقول بأن الفقهاء والعلماء هم محررو المغرب وباقي الشعوب المسلمة بلا منازع.

مفاتيح المقال:

المدارس القرآنية، التبرع للمدارس، ارتباط الإقبال على المدارس بالتبرعات لها، لا تراجع في عدد التلاميذ، المرابطون محترمون ومقدرون المدارس تطعم التلاميذ، لبعض المدارس مكتبات، بيداغوجية التعليم ضعيفة، التعليم القرآني لا قيمة له في رأي الكاتب، بخلاف آباء التلاميذ، السنوسية قليلة الانتشار، وهي مناهضة للاستعمار، التيجانية والقادرية مسالمة، ومنتشرة في المنطقة.

نص المقال:

أتاح لنا تعداد المدارس القرآنية الذي تم إجراؤه في المنطقة العسكرية بالنيجر للمرة الأولى سنة 1914 معرفة -أنه في الفاتح من شهر يونيو من نفس السنة- القول بأنها بلغت 946 مدرسة تضم 5576 تلميذا.

ليس هناك إحساس بوجود فرق ملحوظ مع أرقام العام السابق، ومغادرة أعداد من التلاميذ في بعض الدوائر مدارسهم، لا يفسر بتراجع التعليم الإسلامي، ولكن بسبب ضعف الصدقات المخصصة للتلاميذ بهذه المدارس نظرا لانتشار المجاعة، وقلة النقود عند الناس حتى يساهموا بالتبرع للمدارس، مما سبب للمرابطين بتلك المدارس صعوبة إطعام أنفسهم وتلاميذهم، فهجر الكثير منهم تلك المدارس مؤقتا، على أمل العودة لها مرة أخرى عندما تتحسن الشروط المعيشية.

عدد المدارس مرتفع بشكل خاص في مناطق الهوسا، دائرة زيندير، كوري عند الطوارق بناحية تاهُوَا، أكاديز، وَبيلْما، سكان هذه الدوائر بشكل عام مسالمون، ولا يجد بهذه الناحية مظاهر تعصب، والآباء ينظرون بعين الرضا لأبنائهم يكتسبون تعلما فعالا، يقودهم ليصبحوا مرابطين متسولين، أو مسهلين للتجارة، بفضل القراءة والكتابة التي يحسنونها.

من جهة أخرى ما تزال منطقة نيامي غير منفتحة تماما على التعليم القرآني بحيث لا يوجد في قطاع دوكوندتشي الوثني أية مدرسة.

يبين لنا الجدول الإحصائي التالي عدد المدارس حسب الدوائر:

الدائرة ع المدارس ع التلاميذ

أكادز (أزبين) 52ـــ865

مداوا 142ـــ1006

كور 281ـــ1225

معين سٌرَوَا 27ـــ137

زيملي 418ـــ1980

نيامي 11ـــ113

بيلما(كوارا) 15ـــ250

———

الجميع 946ـــ5576

الغالبية العظمى من مرابطي المنطقة يمتلكون تعليما بسيطا، يقتصر على حفظ القرآن، ومعرفة القراءة والكتابة، وبعض أعمال الصلاة، وتعاليم الشريعة.

في حين أن بعض المعلمين، يحضون بمعرفة أوسع، ولديهم مكتبات جيدة، في الشريعة والقانون الإسلامي، على حساب المعرفة العامة العلمية، والتاريخية المهملة.

المرابطون الأكثر تعلما هما المعلم شتيما، والمعلم حسن بزندي، المعلمان معا يدرسان الشريعة الإسلامية، وقواعد اللغة العربية ويحظيان بتقدير كبير، مكتبتيهما تضمان ما بين 300 و400 مجلد.

يمكن القول بأن مستوى المعلم المسلم من الناحية البيداغوجية متدني بشكل واضح لأنه:

-1.. عادة ما يلقن بطريقة آلية ما تعلمه، دون تعليق أحيانا، ولا يتمكن من شرح بعض المفاهيم للتلاميذ، إلا من خلال تكرار نفس الشروح التي يحفظها

-2.. في معظم الأحيان، الحياة المادية

(تنظيف منزل المعلم وغيرها..) لها الأسبقية على عملية التدريس، ومن جهة أخرى، قلة مواظبة حضور التلاميذ تجعل المجهودات المبذولة في التعليم، أكثر بطئا وغير جديرة بالثقة.

3-.. أخيرا، عملية التدريس على الرغم من تخفيفها بفعل سيطرتنا، تبقى خشنة وتفتقر للمرونة، والمرابط الذي يتوفر على قدر هام من الانضباط من أجل تعليم لاميذه، يمتلك شيئا من التقدير بصفة عامة.

لا يمكن أن نعلم إلا ما نعرف، في أغلب المدارس المرابطون يعلمون التلاميذ أسس الكتابة والقراءة، سور القرآن، وبعض القصص عن تاريخ المرابطين المتميزين.

باستثناء عدد قليل من المعلمين سيء السمعة، نجد على العموم تعليما أكثر اكتمالا يتطرق للقانون والتاريخ، وأعمال المفسرين.

في معظم الحالات يكون التلاميذ هم الآباء (أبناء أو أبناء الأخ أو الأخت) والهدف المنشود هو منحهم الوسائل التي يمارسون بها بدورهم مهنة محترمة ومقدرة، اعتمادا على التبرعات الإسلامية المفيدة بما فيه الكافية.

بصفة عامة وبالنظر لطول مدة الدراسات بشكل خاص، يمكن للمرء القول بأن التعليم القرآني لا قيمة له، ولا يرجح أن يحقق أي تحسين للوضع الاجتماعي والاقتصادي للبلاد.

وأخيرا فإن المأزق الكبير للتعليم الإسلامي هو قلة مواظبة حضور التلاميذ، بغض النظر عن الميل إلى الهروب من المدرسة التي أفسدها العقاب البدني المسلط على التلاميذ لأتفه الأسباب في الماضي، مما جعل الشاب المسلم لا يذهب للمدرسة مدة طويلة، حيث يشتغل في بعض الأحيان (في الزراعية، والحصاد، وغيره) ولا يحصل من ذلك سوى النزر القليل.

أغلبية إن لم نقل كل المرابطين ما عدى المنتمون للطريقة القادرية والتيجانية، يعتمد تعليمهم على قاعدة واسعة من التسامح تجاه الكافر، ولم تتحول فقط لمناهضة سلطتنا، لأن السنوسية قليلة في المنطقة، وسلطتها قليلة الأهمية، وتأثيرها أقل من أن ينجح جهود بعض الطرقيين المنتمين لها لبعث هيجان ضدنا.

المأزق الغريزي الذي ينبغي تحديه، هو ميل المرابطين دائما لمناهضة مراقبة سلطتنا، كما يفعلون دائما مع هيمنة أي أجنبي.

سلطة المرابطين ومعلمي مدارسهم، لا يمكن أن يروا مساندين للثورة، تحت موجة احتجاج تعصب ديني لسكان في أغلبهم قابلين للوضع الذي هم عليه، ولا يمكنهم التخلي عن الهدوء والمصلحة، التي حملها السلام الفرنسي.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

“إفريقيا الفرنسية” ماي 1915؛ ص:153-154.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *