لابد أن كل متتبع للساحة الإعلامية بالمغرب يعلم أن ظهور الشيعة ببلدنا ليس جديدا، فقد أطل علينا منذ سنوات شاب مغربي تمدرس على الفقه الشيعي بسوريا، لابسا عمامتهم المعروفة، مسميا نفسه بحجة الإسلام، فاستقبلته بعض جرائد الرصيف معلنة سبقها إلى اكتشاف الزعيم الروحي للشيعة المغاربة، وممهدة لسلسلة حوارات لم يقطعها إلا جبن جرائدنا على الاستمرار في مقارعة الباطل بالحق.
ولن أنسى أن جريدة الأيام فتحت لنا أبوابها وصفحاتها للرد على المدعي الكذاب وشرذمته من الضالين المضلين فاستحقت منا حينها الاحترام والتقدير..
لكني وأنا أتصفح عدد الجريدة 372 لأسبوع 3-9 أبريل 2009، والذي لم أقرأه في حينه لأسباب صحية، تفاجأت لما قرأته في عمود “لا مجال” لصاحبه إدريس أبو زيد، فيما يشبه وقفة للدفاع عن إيران وأذيالها من الشيعة في العراق وغيرها من البلدان الاسلامية.. وما يدعو للاستغراب هو التساؤل الذي حيرني دون أن أهتدي إلى الإجابة عنه.. هل كتب الكاتب مقاله عن دراية بالقوم وعقيدتهم وتاريخهم وأهدافهم؟ أم أنه يكتب دون اطلاع عما يجلي الغشاوة عن المذهب الشيعي وزيغه عن مذهب أهل السنة والجماعة الذي يتقرب المغاربة قاطبة إلى الله بالتعبد على نهجه، وهذا يحيلني إلى الحديث عن مقال سبق وأن قرأته لأحد الصحفيين المغاربة في تغطية لزيارة قام بها لإيران مع مجموعة من الصحفيين رفقة وفد وزاري، كتب فيه عن أحوال أهل السنة بإيران، وعن استعمال هذه الدولة للمال والإغراء بل والتهديد لاستقطاب الطلبة من الدول الإسلامية إليها لتشييعهم وجعلهم سفراء للهلال الشيعي في بلدانهم فيما يمكن اعتباره حملة تبشير على غرار ما تقوم به الحملات التنصيرية في البلاد الإسلامية.
أما خطورة الأمر فتكمن في القيمة الاعتبارية التي يحظى بها الكاتب عند قراء جريدته، مما يمكن أن يسهل اقتناع الناس بفكرة تقبل إيران والشيعة كأطراف فاعلين في الصف الإسلامي، في حين أن التاريخ والواقع يكذبان ذلك ويثبتان أن الفكر الشيعي منذ تأسيسه ما هو إلا جرثومة أصابت الجسد الإسلامي السليم وخلفت سلسلة من الشروخ والانتكاسات والخيانات والتحالفات مع أعداء الأمة.
ولأن موضوع الشيعة أعمق وأخطر من أن تتناوله كتب ومجلدات، وبالأحرى مقالات يتيمة على صفحات الجرائد، فسأكتفي بالرد على بعض النقاط التي جاءت في المقال المذكور.
ومع أن الكاتب في مقاله تطرق لمذهب الإمام مالك وتشبت المغاربة به كمذهب يتقربون إلى الله بالتعبد على نهجه قائلا: “..وكأن هذا البلد كلفته السماء بالمحافظة على مذهب الإمام مالك، بل كأن المغرب آخر القلاع المالكية التي يجب ألا تسقط..” فلن أتطرق للرد على هذه النقطة ، لكن يجب التفريق بين الاختلافات الفقهية بين المذاهب السنية الأربعة والاختلافات العقدية بين السنة والشيعة، وسنأتي على بيان هذا في فقرات هذا المقال، احتراما للتسلسل الذي جاءت به الأفكار التي نرد عليها.
جاء في المقال: “ومن المستملحات التي تذكر هنا أن أحد الأئمة الشيعة سأل مفتي السعودية الأعمى: لماذا تكفروننا أيها الوهابيون؟؟ فأجاب المفتي: لأنكم معاشر الشيعة باطنيون تؤولون كلام الله!!.. ثم أجاب الإمام الشيعي: ما رأيك في قوله تعالى: “وَمَن كَانَ فِي هَـذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً”.. لو لم يكن التأويل الذي تلومنا عليه لكان مصيرك في الآخرة محفوفا بالمخاطر”!!..
ومع أنني لا أصدق هذه الحكاية لسببين أولهما أن الشيعة معروفون بالكذب واختلاق الحكايات ليظهروا بمظهر المتفوقين المتمكنين من أساليب المناظرة والمحاججة، وهذا ثابت:
أولا باعتراف أئمتهم: يقول الإمام جعفر الصادق رحمه الله تعالى: “رحم الله عبدا حببنا إلى الناس ولم يبغضنا إليهم، أما والله لو يروون محاسن كلامنا لكانوا به أعز وما استطاع أحد أن يتعلق عليهم بشيء، ولكن أحدهم يسمع الكلمة فيحط عليها عشرا” (من كتاب روضة الكافي للكليني ص: 192)، وقال: “إن ممن ينتحل هذا الأمر لمن هو شر من اليهود والنصارى والمجوس والذين أشركوا” (من كتاب رجال الكشي ص 252)، وقال محمد الباقر: “لو كان الناس كلهم لنا شيعة لكان ثلاثة أرباعهم لنا شكاكا والربع الآخر أحمق” (من كتاب رجال الكشي ص:179)، ومع أن لأئمة السنة وفقهائهم الكثير مما يقال في هذا الباب فقد آثرت الاعتماد على أقوال أئمتهم والنقل من أمهات كتبهم عملا بالقول المأثور “من فمك أدينك.”
وثابت أيضا بغير قليل من الأمثلة الواقعية التي يبقى أقربها إلى الأذهان فرية كتاب المراجعات لصاحبه عبد الحسين شرف الدين العاملي الذي ادعى فيه مناظرة شيخ الأزهر الراحل سليم البشري، حيث يظهر الشيخ الأزهري بمظهر التلميذ أمام شيخه الذي يلقنه ما خفي عنه من صحيح الدين، وليس المقام مقام الرد على هذا الكتاب الفرية لكن كذب الرجل فيه واضح لكل من أعمل عقله وقرأ الكتاب قراءة منصف، ولو كان صاحبه صادقا ما أخر نشر الكتاب إلى ما بعد وفاة مناظره بأكثر من ثلاثين سنة!!!
أما السبب الثاني الذي يجعلني لا أصدق هذه الحكاية، فليس خافيا على أحد ما يتمتع به علماء السعودية من دراية وتمكن من العلوم الشرعية بفروعها، فكيف يكون حال مفتي المملكة الذي يكون بالضرورة رأس علماء الدولة وإمامهم على الإطلاق، فهل بعد هذا نصدق عجزه عن الرد على ادعاء مثل هذا الكلام الذي يبقى سهلا حتى على من لم يبلغوا درجة طويلب العلم من أمثالي؟
ونقول والله المستعان وعليه التكلان أن الشيعي المدعي تعمد بتر الآية من سياقها العام حتى يسهل عليه التدليس على سامعه، فقد قال المولى عز وجل: “يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُوْلَـئِكَ يَقْرَؤُونَ كِتَابَهُمْ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً، وَمَن كَانَ فِي هَـذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً” (الإسراء:72-71)، ومع أن المعنى هنا واضح بعد إيراد الآية في سياقها العام فسنورد تفسير ابن كثير للآية والتفاسير كثيرة لكل من يحتاج للتحقق أكثر.
يقول ابن كثير رحمه الله: وقوله تعالى: “وَمَن كَانَ فِي هَـذِهِ أَعْمَى” قال ابن عباس ومجاهد وقتادة وابن زيد: ومن كان في هذه أي في الحياة الدنيا “أَعْمَى” أي عن حجة الله وآياته وبيناته “فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى ” أي كذلك يكون “وَأَضَلُّ سَبِيلاً ” أي وأضل منه كما كان في الدنيا عياذا بالله من ذلك..
فمن الأعمى في حالتنا المفتي السعودي أعمى البصر أم الشيعي الكذاب أعمى البصيرة؟
يقول الله تعالى: “فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ” الحج.
أما مسألة التأويل فالله تعالى يقول: “هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ” (آل عمران:7)، يقول ابن كثير رحمه الله تعالى: “فمعنى الكلام إذن فأما الذين في قلبهم ميل على الحق وحيف عنه فيتبعون من آي الكتاب ما تشابهت ألفاظه واحتمل صرف صارفه في وجوه التأويلات -باحتماله المعاني المختلفة- إرادة اللبس على نفسه وعلى غيره، احتجاجا به على باطله الذي مال إليه قلبه دون الحق الذي أبانه الله فأوضحه بالمحكمات من آي كتابه”، وقد روي عن الحبيب صلى الله عليه وسلم من طرق عدة عن عائشة رضي الله عنها أنه قال بعد أن قرأ هذه الآية: “إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم” والحديث أخرجه البخاري والإمام أحمد والترمذي وغيرهم من رواة الحديث.
والحقيقة أن منهج أهل السنة والجماعة في تأويل كتاب الله تعالى يعتمد على تأويل ما تشابه منه اعتمادا على محكمه بعيدا عن التأويل الباطني الذي يقصده هذا الرافضي المدعي المبني على اتباع هوى النفس التي تسيطر على صاحبها لتجعله يؤول كلام الله وفق هواه، ولا أدل على ذلك من الآية التي سبق وتحدثنا عنها وتعمده بترها من سياقها العام لتوافق هواه في التأويل والتدليس على الناس.