مع بداية كل دخول مدرسي يسيل مداد كثير، وتنحني أقلام لتسود القراطيس حول هذا الورش التائه رغم تصدره للأولويات السياسة المغربية، ومع كل دخول تخيم على سماء التعليم غيوم من المشاكل التي تزداد كما وكيفا، في الوقت التي يراد لها أن تنقص حتى تنقرض، وكأن كل الإجراءات المتخذة لإصلاح ما فسد منه لا تفعل، أو أنها فاقدة للنجاعة، أو أن هناك من يضع العصا في العجلة أو، أو، أو، احتمالات لا تنتهي. والأمر في نظري صارا ملفوفا بسربال من الغموض والإبهام… ما الذي يقع؟؟؟
إصلاح أنفقت عليه الملايير كذا يقولون، وأرقام صارخة بالبهتان، عن نتائج ومكاسب لا تتجاوز عتبة الأوراق ومكبرات الصوت. وعدسات الإعلام.
أما آن لهذا التعليم قائد قاطرة التنمية في كل بلدان النمو والريادة أن ينهض من غفلته التي عمرت طويلا؟!
أما آن له أن يخرج من عنق الزجاجة؟!
أما آن له أن يوضع أمر تدبيره في أيد أمينة؛ تصونه وترعاه وتتولاه بصدق وإخلاص وأمانة؟!
ذلك ما نتمناه..؛ في وقت لم نعد نتمنى المهنة لصديق ولا عدو.
هناك قضية جوهرية يتغاضى عنها منظروا الإصلاح والمباشرون للتفعيل، وهي قضية شائكة لأنها مرتبطة ببنية معقدة طغى عليها التنكر للهوية والانغماس في أوحال القيم الوافدة، والمفروضة بقوة في كل المجالات، والتي تجد لها آذانا صاغية وقلوبا واعية، فإن وفدت أو فرضت شبرا جعلوها ذراعا، وإن جاءت أو فرضت ذراعا جعلوها باعا…
تلك قضية الهوية الغائبة، فواقع التعليم في كل مراحل تدبيره بدء بالمقررات، والمناهج والبرامج، وطرق التدريس ونظرياته، والخريطة المدرسية، وتدبير الحياة المدرسية، والموارد البشرية، والأنشطة الموازية، والتقويم والإشهاد والآفاق التعليمية… وهلم جرا.
فالمتمعن في هذه القضية ممن يحمل هم الهوية في وطن يراد له الانسلاخ التام، يجد بونا شاسعا بين الواقع والمستورد، ولا تتجاوز الهوية أوراق الكتاب الأبيض ودعامات ميثاق التربية والتكوين. واليقين الذي تزكيه الأدلة والبراهين أن التعليم الذي لا يخدم الهوية لا ولن يحقق أهدافا، وما حقق أهدافا قط، وكل تعليم في الدول المتقدمة أو السائرة في طريق التقدم كان للهوية المكانة العليا فيه، وكانت بمثابة المحرك والقلب النابض لعملية الإصلاح، فاستطاعت أن تصل إلى ما سطرته من أهداف؛ حتى وإن كانت قيهما تتنافى مع الفطرة أو الدين أو العقل السليم.
إن أمة تنتمي إلى الإسلام؛ دين الريادة والقيادة والعلم، الزاخر بكل ما يخطر على بال البشرية -وما وصلت إليه من تقدم- من النظريات والمناهج العلمية والعملية، والتي بها استطاع الآخرون أن يصلوا ويتطورا، ولكن للأسف، كالحمار يدور حول الرحى نلوك الإصلاح صباح مساء، ولا نراوح المكان في أحسن الأحوال. وإلا فالحقيقة غير ذلك، إذ الرغبة في إفساد ما تبقى من التعليم جارية على قدم وساق، سواء كان ذلك عن قصد أو عن إكراه من الواقع، وكلاهما مر ما دام ذلك يحكم على مستقبل أمة ووطن بالضياع والشتات والانسلاخ والتيه.
ومن معالم هذا الانسلاخ ما يراد لعقول جيل المستقبل أن تحشى به من معلومات خطيرة للغاية، تغيب الدين وتحل محله قيم وافدة تربي الأجيال على الانفصام في أقل الخسائر، أو المسخ التام في أكثرها، فلا يخفى ما رشح من دعوات من بعض أعضاء المجلس الأعلى للتعليم ومطالبتها بتدريج التعليم (من الدارجة)، ما الذي تمارسه جهات في التعليم الخصوصي المفرنس والمُغرِب (بضم الميم) في بلد المغرب (بفتحها)، لكم أن تطلعوا على بعض مقرارات بعض هذه المدارس، فإنها بالغة في الخطورة على الدين والقيم.
ومن هنا أدعوا كل الغيورين على الدين والوطن والأمة، أن يرصدوا كل الاختلالات العقدية والأخلاقية في جميع مقرارات التعليم العمومي والخصوصي، لزيلوا الغبار عن هذا المخفي، والذي يعد ركيزة المعركة في إصلاح التعليم والحفاظ على هوية الأمة. وإلى ذلك الحين يبقى التعليم في المغرب فاقدا للبوصلة يسير نحو المجهول، أو نحو سراب يظن أنه إصلاح، ويبقى الألم يعتصر الفؤاد ولا حول ولا قوة إلا بالله.