قضية المرأة في المقاربة العلمانية.. حقوق ومكتسبات أم عقوق وانتكاسات؟ (2/2) مصطفى الونسافي

في إطار سعيها لإضلال المرأة المسلمة، تحرص الجمعيات والمؤسسات العلمانية على تقديم نمط حياة المرأة الغربية على أنه النموذج الأمثل الذي يتعين على نسائنا السير على منواله، وأن مخالفته تحيل على التخلف عن ركب الحضارة، وتدل على الجهل بأساسيات الحياة المعاصرة؛ فصوروا للمسلمة التبرج والتعطر على أنه تمَدُّن وتحَضُّر، وأنّ الاختلاط سعة أفق وتنَوُّر، أما الحياء فكبت وتحجر، وأما الحجاب فقتل للإبداع وتأخر..؛ لكن لبعض نساء العالم “المتحضر” رأي آخر.
وشهد شاهد من أهلها..
لقد بدأت -منذ عقدين على الأقل- تتعالى أصوات العقلاء في الغرب محذرة من العواقب الوخيمة للتبرج والاختلاط، والفساد العريض الذي نتج عن الإباحية، وانعكاسات ذلك على البنية السوسيو-ثقافية للمجتمعات الغربية.
تقول العالمة الألمانية الدكتورة “زيغريد هونكه” -رحمها الله- مؤلفة الكتاب الشهير: “شمس العرب تسطع على الغرب”، والتي اعتنقت الإسلام بعد بحث ودراسة مطوّلة: “لا ينبغي للمسلمة أن تتخذ المرأة الأوربية أو الأمريكية أو الروسية قدوة تحتذيها، أو أن تهتدي بفكر عَقَدي مهما كان مصدره، لأنّ في ذلك تمكيناً جديداً للفكر الدخيل المؤدي إلى فقدها مقوّمات شخصيتها، وإنّما ينبغي لها أن تستمسك بهدي الإسلام الأصيل، وأن تسلك سبيل السابقات من السلف الصالح، اللاتي عشنه منطلِقات من قانون الفطرة التي فُطِرْن عليها، وأن تلتمس العربيةُ لَدَيهن المعايير والقيم التي عِشن وفقاً لها، وأن تكيّف تلك المعايير والقيم مع متطلبات العصر الضرورية، وأن تضع نصب عينيها رسالتها الخطيرة الممثلة في كونها أم جيل الغد العربي، الذي يجب أن ينشأ عصامياً يعتمد على نفسه”(1).
وتقول الكاتبة الأمريكية “هيلسيان ستانسبري”: “إنّ المجتمع العربي كامل وسليم، ومن الخليق بهذا المجتمع أن يتمسّك بتقاليده التي تقيّد الفتاة والشاب في حدود المعقول؛ وهذا المجتمع يختلف عن المجتمع الأوربي والأمريكي، فعندكم أخلاق موروثة تحتِّم تقييدَ المرأة، وتحتّم احترام الأب والأم، وتحتّم أكثر من ذلك عدم الإباحية الغربية التي تهدم اليوم المجتمع والأٍسرة في أوربا وأمريكا.. امنعوا الاختلاط، وقيّدوا حرية الفتاة، بل ارجعوا إلى عصر الحجاب، فهذا خير لكم من إباحية وانطلاق ومجون أوربا وأمريكا”(2).
وفي جريدة “الإيكو” كتبت الليدي كوك: “إنَّ الاختلاط يألفه الرجال، ولهذا طمعت المرأة بما يخالف فطرتها، وعلى قدر كثرة الاختلاط يكون أولاد الزنا، وهنا البلاء العظيم على المرأة (…) أما آن لنا أن نبحث عمَّا يخفف، إذا لم نقل: عما يزيل هذه المصائب العائدة بالعار على المدنية الغربية؟”(3).
قلتُ: نحن المسلمون أولى بالتساؤل:
أما آن لنا أن نعود لسبيل ربنا الذي فيه عِزُّنا وشرفنا؟
أما آن لبني علمان أن يتَخلَّوا عن مناهج الانحراف والضلال التي بدأ الغرب ينفض يده منها؟
لماذا ينعتوننا بالرجعيين والماضويين حين نتمسك بشرع رب العالمين وسنة سيد الأولين والآخرين، في الوقت الذي يتهافتون فيه على فضلات الفكر الغربي القَذِر؟؟
هل تنقمون مِنَّا يا أدعياء التحضر المزعوم، والتقدم الموهوم إلا أن آثرْنا الحياء والعفة والطهر على الفحش والدياثة والعهر؟!!
ثم تستطرد الكاتبة قائلة: “علَّموهن الابتعاد عن الرجال، أخبروهن بعاقبة الكيد الكامن لهن بالمرصاد، لقد دلَّنا الإحصاء على أنَّ البلاء الناتج من حمل الزنا يعظم ويتفاقم حيث يكثر اختلاط النساء بالرجال (…) ويلاه من هذه الحالة التعسة”(4).
هكذا بدأ الغرب يئِنُّ تحت وطأة ما يعتبره حرية، وهكذا تفعل هذه الأخيرة بعشاقها، ألا فليحذر المروجون لها في ديار الإسلام أنْ يلحقهم رجسها أو تحيق بهم لعنتها، وليحذر المتلقفون لها من عامة المسلمين أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم.
حقوق النساء أم.. عقوق النساء؟!
لقد خرجت المرأة للعمل، تاركة بيتها للأشباح، فيما “تشرد” الأطفال في دور الحضانة، خرجت لتزاحم الرجال في ميدانهم، فتبرجت، وتعطرت، وتبخترت..، ونالت كل “حقوقها” التي لطالما طالبت بها.
ولكن، هل تحررت بذلك؟ لا والله ما تحررت، لقد أصبحت مستعبدة لنزواتها وشهواتها، بل ولكل من حولها، لقد أضحت مجرد سلعة رخيصة تزدريها الأعين في سوق المدنية الحديثة.
قديما، في الجاهلية كانت البنت توأد في القفار، واليوم، في زمن الرَّدى تئد -هي بنفسها- وكرامتَها بلا أدنى اعتبار، لقد نالها من الخزي والعار ما هي في غنى عنه لو -وفقط لو- انسجمت مع فطرتها ووقفت عند حدودها؛ لكنها تمرَّدت، وعقَّت نفسها، وأولادها، وزوجها، ومجتمعها، فكانت في بحثها عن الحرية المزعومة كفراشة تحوم حول النار، فلم تلبث أن وقعت فيها.. فاحترقت.
فإياك أيتها العاقلة أن ترغبي عن الهدى فتكوني من أولياء الشيطان، وإياك أن تنصتي لشبهات من يتآمرون على الحياء والإيمان.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) و(2)- “لكي لا يتناثر العقد” لعبد الرزاق المبارك.
(3) و(4)- “نظرات في مسألة تعدد الزوجات” (ص:17-18) للدكتور سعيد عبد العظيم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *