العلمانية.. ومستقبل أبنائنا وشبابنا؟ نبيل غزال

فئة الشباب هي أكثر فئات المجتمع حبا للبذل والعطاء والتفاني والتضحية ولو بالنفس، وقد شكلت هذه الفئة الفتية أكثر أتباع المرسلين والعلماء والمصلحين، وتحكي لنا كتب السيرة أن نبينا -صلى الله عليه وسلم- كان محاطا بشباب كان يربيهم على عينه ويهيئهم لعظائم الأمور، والباحث في سيرة وتراجم هؤلاء الفتية -الذين صدقوا الله ما وعدوه- يرى العجب العجاب؛ ويدرك البون الشاسع بين شبابنا اليوم وشباب الصحابة الكرام.

صحيح أن شبابنا فيهم خير كثير، وتحدوهم إرادة قوية للتغيير والإصلاح؛ لكن أيادي السوء تحول دون توجيه هذه الشرة والعاطفة الجياشة في اتجاه الخير والصلاح؛ وتعمل جاهدة على دفع الشباب دفعا إلى الانحراف والبعد عن التدين؛ بتشويه جمالية هذا الدين؛ والنيل من أحكامه وعلمائه ورموزه، -وعلى رأسهم الصحابة الكرام-، مقابل تزيين الباطل وتلميع دعاته ورموزه.
وبفعل التربية العلمانية المادية؛ ومقررات التعليم الهزيلة والمفرغة من كل حمولة شرعية؛ والإعلام الناسف للأخلاق والقيم؛ أصبح كثير من شبابنا اليوم يفتقد مرجعية صحيحة يتلمس بها المخرج من دياجير الفتن التي تموج به موجا؛ كما يفتقد أعلاما حقيقيين يقتدي بهم في ظلمات الفتن التي تموج به موجا.
في حين لو رُبِّي هذا الشباب وفق منهج شرعي صحيح؛ وجعل من جيل الصحابة الكرام قدوة له؛ لتغير حاله رأسا على عقب؛ ولظهر منه نوابغ واكتشفت فيه طاقات تبهر العقول؛ لكن المفسدين في الأرض لوثوا فطرة الشباب وزوروا رموزهم؛ فأصبح قدوة الشباب لاعب الكرة فلان أو المغني علان؛ أو الراقصة والممثلة فلانة.
وأصبح كثير من أبنائنا -وللأسف الشديد- يضيع عمره في المقاهي والمباريات؛ أو في معاقرة المخدرات وشرب الشيشات؛ أو في مشاهدة الأفلام والمسلسلات والبرامج الساقطة؛ هذا إن لم يدمنوا الدخول على مواقع الخلاعة ويبتلوا بشرب الخمر والزنا وغيرها من الظواهر الشاذة.
في حين كان شباب الصحابة الذين وجهوا توجيها شرعيا منذ نعومة أظفارهم أصحاب همم عالية؛ تواقين إلى معالي الأمور؛ ويدركون جيدا سبب وجودهم في هذه الحياة وما هو مطلوب منهم.
فهذا ربيعة بن كعب الأسلمي؛ الشاب الصغير يقول له النبي صلى الله عليه وسلم: سل، فيجيبه ربيعة بجواب العقلاء: أسألك مرافقة في الجنة، فيقول له النبي صلى الله عليه وسلم: “أو غير ذلك؟” فيقول: هو ذاك، فيجيبه المصطفى صلى الله عليه وسلم بقوله: “فأعنِّي على نفسك بكثرة السجود”.
فهذا الشاب حين طلب منه النبي صلى الله عليه وسلم أن يختار؛ اختار أعلى درجات الجنان؛ بل أكثر من ذلك اختار: مصاحبة سيد ولد عدنان في الفردوس الأعلى.
فيا ترى ماذا كان سيكون جواب شبابنا -الذي دجَّنه الإعلام والفكر العلماني- لو وجه إليه نفس السؤال؟
لقد تميَّز شباب محمد صلى الله عليه وسلم بتحمل المسؤولية في سن مبكرة؛ وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يكلفهم بأمور عظيمة جليلة؛ فيجد رجالا صادقين أهلا لتحمل ما وُلوُّا.
فهذا زيد بن ثابت كلفه النبي صلى الله عليه وسلم أن يتعلم لغة يهود؛ فقال: “يا زيد، تعلم لي كتاب يهود؛ فإني والله ما آمن يهود على كتابي”، قال زيد: “فتعلمت كتابهم، ما مرت بي خمس عشرة ليلة حتى حذقته، وكنت أقرأ له كتبهم إذا كتبوا إليه، وأجيب عنه إذا كتب”.
وهذا مصعب بن عُمَير رضي الله عنه الشاب الوسيم ذو الوجاهة في قريش يوفده النبي صلى الله عليه وسلم سفيراً إلى المدينة ليفتحها بالقرآن ويدعو الناس إلى الهدى.
وهذا معاذ بن جبل أعلم الأمة بالحلال والحرام يرسله النبي صلى الله عليه وسلم وحده وهو شاب إلى اليمن ليفتحها وينشر فيها الإسلام.
وهذا أسامة بن زيد رضي الله عنه لم يبلغ العشرين من العمر؛ ويأمِّره النبي صلى الله عليه وسلم على جيش قوامه ثلاثة آلاف (3.000) مقاتل يرسله إلى شمال الجزيرة، ويدخل الرُّعب في قلب هرقل، ثم يرجع سالما دون إصابات تذكر، ويتعجب المسلمون من أمره وعمله قائلين: “ما رأينا جيشاً أسلم من جيش أسامة”.
ولم تكن قضية تحمل المسؤولية مقتصرة على أمر تبليغ الدعوة والجهاد في سبيل الله، بل انسحبت أيضا على تحمل المسؤوليات الاجتماعية، فهذا جابر بن عبد الله رضي الله عنه الشاب العاقل يقول:
تزوجت امرأة ثيباً، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: “يا جابر، تزوجت؟” قلت: نعم، قال: “فبكرٌ أم ثيب؟” قلت: بل ثيبٌ يا رسول الله، قال: “فهلا جارية تلاعبها وتلاعبك” يعني بكرا صغيرة.
قال جابر: إن عبد الله -يعني أباه- هلك وترك تسع بنات، وإني كرهت أن آتيهن بمثلهن، فأحببت أن أجيء بامرأة تقوم عليهن وتصلحهن وتمشُطهن، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أصبت، بارك الله لك”.
فجابر رضي الله عنه مات أبوه وترك له تسع أخوات تحمل مسؤولية رعايتهن، فـ”ضحى بالزواج من البكر وتزوج ثيبا؛ لأنه أحس بالمسؤولية الاجتماعية تجاه أخواته، والقيام بالتركة الثقيلة التي خلَّفها أبوه المجاهد المقتول يوم أحد شهيداً في سبيل الله”.
والنماذج والأمثلة من هذا الجيل الفريد كثيرة جدا يستحيل أن يجمعها هذا الرق؛ ويكفي من القلادة ما أحاط بالعنق.
ومما مضى يتبين لنا أن الذي يسعى إلى فصل الشباب المغربي عن الاقتداء بهؤلاء الأعلام ويعمل على تشويه سيرتهم؛ يرتكب جريمة نكراء في حق هذا الوطن؛ لأنه يرسم للشباب قدوة مزورة ويهدر طاقاتهم وأوقاتهم فيما لا ينفع؛ ويحول دون استفادة البلد من خيرات شبابه بتوجيههم التوجيه الحسن الذي يعود عليهم بالخير أولا؛ وعلى دينهم ووطنهم ثانيا.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *