سَدُومي لا لُوطِي.. عياذًا بالله! محمد فرَّاج

مِن أَدنَس الفَواحِشِ التي عَصمَنا الله تعالى منها بالإسلام، وطهَّرَ مِنها أُمَّتَنا بالإيمان، فاحِشةُ “قَومِ لُوطٍ”. وهي فَاحِشَةٌ يُطَلَقُ عليها بعَصرِنا “المثلية”، أو “الجنس المثلي”، ويُطَلَقُ على المتَفحِّشِين المتَلطِّخِين بها “المثليون”؛ وهي تعني ممارَسةُ الفَاحِشَةَ بين مُتَمَاثلين في الجنس، سواء كانت بين ذكرين، أم بين أُنثَيين.
وهذه الفَاحِشَةُ مِن النَّكارَةِ والبشَاعةِ بمكان، لذا قال الوليدُ بن عَبدِالملك: “لَولَا أنَّ اللهَ تعالى قَصَّ لنَا قِصَّةَ قَومِ لُوطٍ في كِتابِه ما ظَننَّا أنَّ ذكَرًا كان يَأتِي ذَكَرًا كَمَا تُؤتَى النِّسَاءُ”1.
ويتناول المحدِّثُون والعُلماءُ في كُتُب الحدِيثِ والفِقهِ أَحكامَ هذه الفَاحِشَةِ الدَّنِسَةِ بلَفظِ “اللِّوطيَّة”، أو “اللِّواط”، أو “فَاحِشةُ قَومِ لُوطٍ”. كما يُطلِقُون على المتَدنِّس بها لفظ “لُوطِي”! ولَفظُ “لُوطِي”، أو “لُوطيَّة”، أو “لِواط”، نِسبَةٌ لقَومِ لُوطٍ، لأنَّهم أوَّلُ مَن ابتَدَع هذه الفَاحِشةِ القَذِرةِ؛ كما أخبر تعالى: (ولُوطًا إِذ قَالَ لِقَومِهِ أَتَاتُونَ الفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِن أَحَدٍ مِن العَالَمِينَ، إِنَّكُم لَتَاتُونَ الرِّجَالَ شَهوَةً مِن دُونِ النِّسَاءِ بَل أَنتُم قَومٌ مُسرِفُونَ)، الأعراف:80-81.
فسمَّاها سبحانه فاحِشةً كما في الآية الكريمة. وفي السُّنَّة لم أَجد للنَبيِّ صلى الله عليه وسلم تعبيرًا عن هذه الفاحشة إلَّا بلفظ: (عَمَل قَومِ لُوطٍ)، وذلك كما في قوله تعالى: (مَن وجَدتُمُوهُ يَعمَلُ عَمَلَ قَومِ لُوطٍ، فَاقتُلُوا الفَاعِلَ والمَفعُولَ بِهِ)2.
والأَولى بِنا أَن نَلزَمَ مَنطُوقَ القُرآنِ والسُّنةِ، وألَّا نُطلِقَ على هذه الفَاحِشةِ إلَّا اللَّفظَ الذي ورَدَت به في القرآنِ والسُّنَّة؛ وهو “الفَاحِشَة”، أو “عَمَلَ قَومِ لوطٍ”. واسم بَلدَةِ قَومِ لُوطٍ عليه السلام، كما جَاءَ في كُتُبِ التَّاريخِ هو “سدوم”3، وهي مدينة بفلسطين.
ومن ثَمَّ تكون الأَلفَاظُ الشَّرعيَّة التي نُطلِقُها على مُرتَكِبِ هذا الفِعلِ القَبيحِ هي: “مُرتَكِبُ الفَاحِشةِ”، “عَامِلُ عَمَلِ قَومِ لُوطٍ”، “سَدومي” نِسبَةُ للقَومِ لا للنَّبي.
ومِن الآثَارِ السَّلبيَّةِ على إطلَاقِ لَفظِ “لُوطي” على “السَّدُومي” عَدَمُ تَسمِيَةِ المسلِمين لأَبنَائِهم باسم النَّبي الكريمِ دَرءًا لمعرَّةِ الفَعلِ القَبيحِ.
وقد قال العلامة بكر أبوزيد، في كتابه (معجم المناهي اللفظية)، بعد بحث المسألة والانتصار لمذهب العلماء في تجويز الوصف بها: “وقد أَجمَعَ على إطلاقها العُلماءُ مِن غَيرِ خِلافٍ يُعرَفُ. فالفُقَهاءُ يَعقِدُون أَحكَامَ اللِّواطِ واللُّوطيَّةِ في مُصنَّفَاتِهم الفِقهيَّةِ، والمفَسِّرون في كُتُبِ التَّفسير، والمحدِّثُون في شَرحِ السُّنةِ، واللغَويُون في كُتُبِ اللُّغَةِ..”، ثم قال: “وبَعدَ تَقيِيدِ ما تَقدَّمَ تَبيَّنَ لي بَعدَ استِشَارَةٍ واستِخَارَةٍ، أنَّ جَميعَ ما قَيَّدتُّه مِن استدلَالٍ استَظهَرتُه لا يخلُو مِن حَميَّةٍ للعُلمَاءِ الذين تتَابَعوا على ذلك، والحَميَّةُ لنبي اللهِ لُوطٍ عليه السلام، وهو مَعصُومٌ، أَولى وأَحرَى.
والله سبحانه وتعالى يقول: (هَل جَزَاءُ الإحسَانِ إِلَّا الإحسَانُ)، الرحمن:60. فكيف نَنسِبُ هذه الفَعلَةِ الشَّنعَاءِ الفَاحِشَةِ إلى نَبي اللهِ لُوط عليه السَّلام، ولو باعتباره نَاهِيًا، ولو كان لا يَخطُرُ ببَالِ مُسلِمٍ أَدنَي إِسَاءَةٍ إلى لُوطٍ عليه السلام؟
ولعَلَّ مِن آثَارِ هذه النَّسبَةِ أنَّك لا تَجِدُ في الأَعلامِ مَن اسمُه لُوط إلا على نُدرَةٍ. فهذا -مثلاً- (سِيرُ أَعلامِ النُبلاءِ) ليس فيه مِن اسمه لُوط، سِوى وَاحِدٍ: أَبو مِخنَف لُوط بن يحيى. هذا جميعُه أَقُولُه بحثًا لا قَطعًا، فليُحرِّرُه مَن كان لديه فَضلُ عِلمٍ زَائِدٍ على ما ذُكِر ليَتَّضِح الحَقُّ بدليله”4.
وعلى أيَّة حَالٍ فلَفظُ اللِّواطِ واللُّوطي لم يَأتِ لا في كِتَابٍ ولا في سُنَّةٍ، فالقرآن يُسميه: “الفَاحِشة”، وفي الحديث عنه -صلى الله عليه وسلم- قال: (مَن وَجَدتُموه يَعمَلُ عَمَلَ قَومِ لُوطٍ فاقتُلُوا الفَاعِلَ والمفعُولَ بِه)5، وفي حديث آخر: (إنَّ أَخوَفَ ما أَخَافُ على أُمَّتي عَمَلَ قَومِ لُوطٍ)6.
فهذه دَعوَةٌ للمُسلِمين أن يُكثِروا مِن تَسمِيةِ أَبنَائِهم باسم الأَنبيَاءِ عَامَةً، واسم هذا النَّبيِّ الكَريمِ خَاصَّةً؛ فإنَّ مِن هَديِّ الصَّالحين تَسمِيةُ أَبنَائِهم بأَسمَاءِ الأَنبِياءِ، كما في قوله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّهُم كَانُوا يُسَمُّونَ بِأَنبِيَائِهِم والصَّالِحِينَ قَبلَهُم) 7. كما يَجِبُ علينا أن نَنتَبِهَ لأَبنَائِنا من الفواحش عموما، وأن نَحفَظَهم مِن الوقوع في عمل قوم لوط، ومصاحبة “السَّدُوميين” ومُرتَكِبي الفَواحِشِ عموما. (مركز التأصيل للدراسات والبحوث)
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[1] راجع: سير أعلام النبلاء، للذهبي: ج4/347؛ والبداية والنهاية، لابن كثير: ج9/70.
[2] حَسَنٌ؛ رَوَاهُ الإِمَامُ أَحمَدُ، في مسنده: (رقم 2727)؛ وأَبُو دَاوُدَ، في سننه: (رقم 4462)؛ والتِّرمِذِيُّ، في سننه: (رقم 1455)؛ وابنُ مَاجَه، في سننه: (رقم 2561).
[3] راجع: الأخبار الطوال، لأبي حنيفة الدينوري: ص8؛ وتاريخ الأمم والملوك، للطبري: 1/292.
[4] ص476- 480.
[5] رواه الترمذي، وأبو داود، وابن ماجه، وصححه الألباني.
[6] رواه الترمذي، وابن ماجه، وحَسَنَه الألباني.
[7] صَحِيحٌ، رَوَاهُ أَحمَدُ، في مسنده: (رقم 18201)؛ ومُسلِمٌ، في صحيحه: (رقم 2135).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *