قراءة في كتاب كيف صنع اليهود الهولوكوست؟! “المحرقة” المؤلف: “نورمان فنكلشتاين” ترجمـة: د. “ماري شهرستان” الصفحات: 224 صفحة من القطع المتوسط

عندما تعلو -موضة- معادات السامية على حرية التعبير وتُكمم الأفواه في البلدان التي تدعي الحرية والموضوعية.
اتخذ الهولوكوست موقعه كسلاح إيديولوجي ضروري لتأخذ “إسرائيل” -واليهود عموما- وضع الضحية الذي لا مبرر له, وتتخذه ستارا للانتهاكات التي تقوم بها ضد الفلسطينين وغيرهم.
فصناعة الهولوكوست صناعة وهمية كان رأسمالها الكذب وتغيير الحقائق التاريخية وربحها الملايين من الدولارات المبتزة من دول أوروبا, فالهولوكوست النازي شاذ, وشذوذه لا يأتي من الحدث ذاته, بل من الاستغلال والاستثمار الصناعي.
ولأجل تبيين هذا الخداع قام “فنكلشتاين” بتتبع هذه الصناعة من الفكرة إلى الربح الفاحش, صاغها في ثلاثة فصول.

الفصل الأول: رسملة الهولوكوست
بين فيه أن الهولوكوست لم يكن يحتل إلا مكانا ضئيلا بين الحرب العالمية الثانية ونهاية الستينات.
وأن كل شيء تغير مع الحرب الإسرائيلية-العربية في يونيو1967م. حيث أصبح الهولوكوست سمة بارزة في الحياة اليهودية الأمريكية.
ففي عام 1948م لم تكن “إسرائيل” تشكل موضوعا ولم تكن حاضرة في المخططات الاستراتيجية الأمريكية, فعند إعلان القادة اليهود في فلسطين عن قيام “الدولة اليهودية” كان الرئيس “ترومان” يتردد بين أصوات اليهود الداخلية والخوف من تنفير العالم العربي, ولتثبيت المصالح الأمريكية في الشرق الأدنى فإن حكومة “آيزنهاور” وزعت دعمها بين العرب و”إسرائيل”, مفضلة العرب.
فالنخب اليهودية الأمريكية لم تكن لتتذكر الهولوكوست النازي قبل عام 1967م إلا عندما أصبح ذا أهمية سياسية, بينما “إسرائيل” اعتمدت سنة 1962م على الهولوكوست النازي في محاكمة “أيخمان” (الذي قام بتنظيم طرد اليهود من مركز أوروبا إلى معسكرات الإبادة في الشرق أيام هتلر), وبعد حرب 1967م وانطلاقا من هذه الفعالية المثبتة لجأت الجمعيات اليهودية الأمريكية لاستثمار الهولوكوست النازي, حيث “أصبح الهولوكوست رأسمالا”.
وهناك أيضا أسباب أمريكية داخلية لتطور صناعة الهولوكوست:
1ـ التأويلات الأرثوذوكسية التي ترفع من شأن الظهور الحديث “لسياسات الانتماء” من جهة, ومن ثقافة ضحايا “النكبات” من جهة أخرى, وبما أن لكل هوية جذور خاصة بها فقد بحث اليهود عن هويتهم العنصرية في الهولوكوست.
2ـ العمل على احتلال اليهود المكانة الأولى في الولايات المتحدة.

الفصل الثاني: المخادعون والإعلانيون والتاريخ
يقول الكاتب اليهودي “بواس إيفرون”: “إن العناية التي تُولى للهولوكوست هي -في الواقع- توجيه رسمي للدعاية واجترار كلام فئة, ورؤية خاطئة للعالم, هدفها الحقيقي ليس فهم الماضي أبدا, بل التلاعب بالحاضر”.
ومن خلال الرؤية المشوَّهة الاديولوجية أصبحت ذكرى الإبادة النازية (بحسب “إيفرون”) أداة قوية بأيدي القادة الإسرائليين واليهود في الخارج.
فأصبح الهولوكوست يقوم على مبدأين أساسيين يضمان سيناريو الهولوكوست:
– الهولوكوست حدث تاريخي فريد من نوعه.
– الهولوكوست هو ذروة البغض اللامعقول والأزلي الذي يكنه الكفار ضد اليهود.
المبدأ الأول: الفرادة
قال “جاكوب نويسنر”: “المرحلة الأولى والأهم هي التي أتت بعد حرب 1967م, وأصبحت شعار اليهودية الأمريكية هي أن الهولوكوست كان فريدا لا مثيل له في التاريخ البشري”.
ويستطرد المؤلف موضحا أنه كلما دحضت حجة لصالح الفرادة تأتي حجة جديدة لتأخذ مكانها, والمحصلة -بحسب “جان ميشيل شومون”- حجج عديدة متناقضة تلغي بعضها البعض, بينما يبقى الثابت هو أن المزاعم حول الهولوكوست أصبحت شكلا من الإرهاب الفكري.
فإذا لم يكن للهولوكوست سابقة في التاريخ فوجب أن يكون فوق التاريخ الذي يمكن له أن يستأثر به, كما يعتبرها “فيزيل” وكذلك “نوفيك” ديانة لها “أسرار” خارج التاريخ إن لم يكن فوقه, وانتقد “فيزيل” “شمعون بيريز” بتحدثه عن اثنين من الهولوكوست في القرن العشرين: “أوشفيتس” و”هيروشيما”.
المبدأ الثاني: البغض اللامعقول والأزلي الذي يكنه الكفار ضد اليهود
إن مبدأ الهولوكوست مؤكدا كره الكفار الأزلي خدم في تبرير الضرورة لدولة يهودية, وفي شرح العداء تجاه “دولة إسرائيل”. إن دولة يهودية هي الضمان الوحيد ضد تصاعد اللاسامية المقبل والذي لا مفر منه.
يقول “بواس إيفرون”: “جميع الشعوب ساهموا مع النازيين في تدمير اليهود, ومنها يستنتج أن كل شيء مسموح لليهود في علاقاتهم مع الشعوب الأخرى”.
هذا المبدأ (كره الكفار الأزلي) يعطي “دولة إسرائيل” بطاقة بيضاء بما أن الكفار قرروا قتلهم فاليهود عندهم الحق المطلق بحماية أنفسهم كما يرون الأمر.
وبما أن اليهود شطار, ومنهم من يستطيعون أن يلجؤوا إلى أية وسيلة بما فيها التعذيب والعدوان, فهذا دفاع شرعي عن النفس.
تبدو اللاسامية في سيناريو الهولوكوست ليست -فقط- راسخة, إنما أيضا لا معقولة, وأن اللاسامي مقاد “بحجج لا عقلانية” يرفض بلا قيد ولا شرط وجود اليهود, وأن الجوهر اللاعقلاني للاسامية ينبع من الجوهر اللاعقلاني للهولوكوست, والبرهان على ذلك هو أن الحل النهائي لـ”هتلر” كان مجردا من العقلانية “كان الشر من أجل الشر” جريمة “بدون هدف”.
فالحل النهائي لـ”هتلر” قد حقق ذروة اللاسامية, إذا اللاسامية هي لاعقلانية أساسا, فإن اتُخذت هذه الاقتراحات منفصلة أو مجتمعة, فهي لا تقاوم أضحل التحاليل وأكثرها سطحية.
إن حرب “هتلر” ضد اليهود حتى لو كانت لا معقولة (وهذه في حد ذاتها مسألة معقدة) فهي ليست حادثة نادرة في التاريخ.
وفي الواقع إن ميدان دراسات الهولوكوست مليء بالسخافات, حتى لا نقول تزوير صاف بكل بساطة, والشأن المهم بشكل خاص هو الوسط الثقافي الذي تأصل فيه أدب الهولوكوست.
وإذا استعرضنا الأعمال التي تمت حول الهولوكوست نرى أن هناك مكانا “للاتصال العربي”, يقول “نوفيك”: “مع أن مفتي القدس لم يلعب أي دور هام وفعال في الهولوكوست فإن “موسوعة الهولوكوست” والتي أصدرها “كوتمان” أعطته “دورا رئيسا”.

الفصل الثالث: الابتزاز المزدوج
لقد قام كثير من اليهود بإعادة كتابة ماضيهم ليتقدموا به وكأنهم أصحاب حق. كما شكك الكثير من الأخصائيين في صحة شهادات الناجين, كما قال صاحب الكتاب: “فإذا كان كل الذين يزعمون أنهم ناجون هم كذلك فعلا, إذا من قتل “هتلر”؟!.
وقد وقَّعت “ألمانيا” ثلاث اتفاقات عام 1952م لتعويض الضحايا اليهود, خلافا للسلبية الأمريكية في ضحايا الحرب: الهند-الصينية, أربعة إلى خمسة ملايين رجل وامرأة وطفل, والفتنام, وقد شرح “جيمي كارتر” الوضع وهو رافض أن يدفع قدرا من التعويضات معللا: “إن الخراب كان متبادلا”.
لكن الجمعيات الأعضاء في مؤتمر “المطالبات” استولت على الجزء الأكبر من المال لتمويل مشاريعها المختلفة الخاصة, وأكدت أن استخدام المال ليس لإعادة تأهيل واستقرار الضحايا اليهود, إنما للمجتمعات اليهودية.
فأدانهم “أرثور هيرتسبرغ” قائلا: “إن الموضوع ليس موضوع عدالة, إنما صراع على المال”.
فأصبحت صناعة الهولوكوست منذ عدة سنوات -وبكل بساطة- مشروعا صرفا لابتزاز الأموال, فهي تزعم أنها تمثل يهود العالم أمواتا وأحياء, وتطالب -من هذا الموقع- بثروات يهود فترة الهولوكوست في كل أوروبا.
فبدأوا بسويسرا بدعاية كبيرة: كقولهم: “جنس المصرفيين السويسريين الصغير أصبح أكثر جشعا وأكثر لا أخلاقية من غيره”, وأن النفاق والغش أصبحا فنا بين الدبلوماسيين السويسريين (الدبلوماسيين السويسريين فقط؟؟)… حتى قال الحاخام “سينغر”: سوف نتابع حتى تقول المصارف: “كفى” نحن جاهزون “لتسوية”.
كثير من هذه الشتائم تشبه -بشكل غريب- الشتائم التي كان يوجهها اللاساميون لليهود!!
وإذا أخذنا بعين الاعتبار الخلط الذي قامت به الصحافة بين حقائق وافتراضات, ووقائع واختلاقات, نستطيع أن نفهم -دون عناء- لماذا كثير من السويوسريين يعتقدون أن بلدهم كان ضحية تآمر دولي.
“ليس غريبا أن لا تقوم صناعة الهولوكوست بحملة لتقصي المصارف في الولايات المتحدة. لأن فحصا لمصارف شبيها بالذي جرى في المصارف السويرسية قد يكلف المساهمين الأمريكان ليس الملايين, بل مليارات الدولارات, وعندما ينتهي ذلك قد يبحث اليهود الأمريكان لأنفسهم عن ملجأ في ميونخ” (من تقرير فوكر).
بعد الاتفاق مع سويسرا أظهرت صناعة الهولوكوست الاستراتيجية المنتصرة نفسَها ضد ألمانيا, لأن ابتزاز المال من سويسرا وألمانيا لم يكن إلا تمهيدا لخاتمة مهرجان: هو ابتزاز أموال أوروبا الشرقية.. فصناعة الهولوكوست واضح أنها فقدت صوابها!!
الخلاصة: تفحص فيها مفعول الهولوكوست في الولايات المتحدة الأمريكية, وما جرى في “كوسوفا” و”اندونيسيا” والعراق, وأفغنستان, و”كمبوديا”.. رغم أنها أحداث تذكر بالهولوكوست, لكن هذا الأمر لا ينطبق على الجرائم التي تكون فيها الولايات المتحدة الفاعل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *