الصحابة[1] رضي الله عنهم هم أفضل الأمة، وخير الناس، اختارهم الله تعالى لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم، فآمنوا به ونصروه وصبروا على ما أصابهم في سبيل الله من الصدود والإعراض والمشقة والأذى، فبلغوا الدين وجاهدوا المعاندين فرضي الله عنهم وأرضاهم، وأثنى عليهم في كتابه العزيز فقال سبحانه:
«وَالسّابِقونَ الأَوَّلونَ مِنَ المُهاجِرينَ وَالأَنصارِ وَالَّذينَ اتَّبَعوهُم بِإِحسانٍ رَضِيَ اللَّـهُ عَنهُم وَرَضوا عَنهُ وَأَعَدَّ لَهُم جَنّاتٍ تَجري تَحتَهَا الأَنهارُ خالِدينَ فيها أَبَدًا ذلِكَ الفَوزُ العَظيمُ»[2].
وقال سبحانه: «وَالَّذينَ آمَنوا وَهاجَروا وَجاهَدوا في سَبيلِ اللَّـهِ وَالَّذينَ آوَوا وَنَصَروا أُولـئِكَ هُمُ المُؤمِنونَ حَقًّا لَهُم مَغفِرَةٌ وَرِزقٌ كَريمٌ»[3].
وقال سبحانه: «لـكِنِ الرَّسولُ وَالَّذينَ آمَنوا مَعَهُ جاهَدوا بِأَموالِهِم وَأَنفُسِهِم وَأُولـئِكَ لَهُمُ الخَيراتُ وَأُولـئِكَ هُمُ المُفلِحونَ»[4].
وقال سبحانه: «مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّـهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّـهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّـهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا»[5].
فالصحابة كلهم عدول، أولياء الله تعالى وأصفياؤه، وخيرته من خلقه بعد أنبيائه ورسله، هذا مذهب أهل السنة، والذي عليه الجماعة من أئمة هذه الأمة، وقد ذهبت شرذمة لا مبالاة بهم إلى أن حال الصحابة كحال غيرهم، فيلزم البحث عن عدالتهم، ومنهم من فرق بين حالهم في بداءة الأمر فقال: إنهم كانوا على العدالة إذ ذاك، ثم تغيرت بهم الأحوال فظهرت فيهم الحروب وسفك الدماء، فلا بد من البحث، وهذا مردود، فإن خيار الصحابة وفضلاءهم كعلي وطلحة والزبير وغيرهم رضي الله عنهم ممن أثنى الله عليهم وزكاهم ورضي عنهم وأرضاهم ووعدهم الجنة بقوله تعالى: «مغفرة وأجرا عظيما»، وخاصة العشرة المقطوع لهم بالجنة بإخبار الرسول هم القدوة مع علمهم بكثير من الفتن والأمور الجارية عليهم بعد نبيهم بإخباره لهم بذلك، وذلك غير مُسقط من مرتبتهم وفضلهم[6].
وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن خيريتهم وفضلهم في أحاديث كثيرة، منها ما جاء عن عبد الله رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم»[7]، وفي الحديث الآخر يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «النجوم أمنة للسماء، فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد، وأنا أمنة لأصحابي، فإذا ذهبت أنا أتى أصحابي ما يوعدون، وأصحابي أمنة لأمتي، فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون»[8].
وكما دلت النصوص الشرعية على فضلهم، فإن الواقع قد شهد بذلك أيضاً، وهذا ظاهر لمن نظر في أحوالهم وقرأ أخبارهم، فهم خير القرون ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم، كالنجوم الزهراء يقتدى بهم في الفضل والإحسان، من أحبهم أحبه الله ومن أبغضهم أبغضه الله، اختارهم الله تعالى لتحمل رسالة الإسلام فصاروا خير أمة أخرجت للناس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويؤمنون بالله.
وللتعامل مع الصحابة رضي الله عنهم آداب يجب على كل مسلم مراعاتها، نذكر منها:
الأدب الأول: اعتقاد عدالتهم: فالصحابة كلهم عدول ثقات صادقون في كل ما أخبروا به عن النبي صلى الله عليه وسلم، أو عن بعضهم البعض أو عن غيرهم.
الأدب الثاني: محبتهم والترضي عنهم، لأن الله تعالى أحبهم ورضي عنهم ووعدهم الجنة كما في الآيات التي سبق ذكرها.
الأدب الثالث: تعظيمهم وتوقيرهم: فأهل السنة يعظمون جيمع الصحابة ويترضون عنهم ويوقرونهم.
الأدب الرابع: اعتقاد خيريتهم وفضلهم، كما في الأحاديث السابقة.
الأدب الخامس: الابتعاد عن سبهم أو تنقيصهم أو مساواتهم بغيرهم أو الحقد عليهم: عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تسبوا أصحابي، فو الذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه»[9].
الأدب السادس: سلامة الصدور تجاههم، والكف عن الخوض فيما حصل بينهم من الفتن.
الأدب السابع: عدم الإفراط وتجاوز الحد والغلو في حب أحدهم، أو رفع أحدهم إلى منزلة فوق منزلته.
الأدب الثامن: محبة أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم، والاعتراف بفضلهن.
الأدب التاسع: معرفة قدرهم من صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم: وأنهم الذين حملوا هذا الدين وبلغوه لمن بعدهم حتى وصل إلينا وأنهم السابقون إلى الإسلام والمجاهدون في سبيله أثنى الله تعالى عليهم في كتابه، وأثنى عليهم رسوله صلى الله عليه وسلم بما هم أهله لما اتصفوا به من صفات حميدة ومنزلة سامقة رفيعة.
الأدب العاشر: محبة أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم: فأهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم تجب محبتهم وموالاتهم، ورعاية وصية النبي صلى الله عليه وسلم فيهم، لما اتصفوا به من حق القرابة وغيرها، فإن كانوا من الصحابة فلهم ثلاثة حقوق:
1- حق الإيمان.
2- حق الصحبة.
3- حق القرابة.
وإن لم يكونوا من الصحابة فلهم حقان:
1- حق الإيمان.
2- حق القرابة.
وأما من لم يكن من المؤمنين -كأبي لهب- فإنهم لا يحبون، لأن الله تعالى لا يحب الكافرين، فيجب عدم محبة من لا يحبه الله تعالى.
اللهم اجعلنا ممن يحب صحابة رسولك صلى الله عليه وسلم، ويدافع عنهم ويثني عليهم ويتبع منهجهم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
———————-
[1]- الصحابي: هو من لقي الرسول صلى الله عليه وسلم مؤمناً به، ومات على ذلك.
[2]- سورة التوبة، الآية: 100.
[3]- سورة الأنفال، الآية: 74.
[4]- سورة التوبة، الآية: 88.
[5]- سورة الفتح، الآية: 29.
[6]- انظر تفسير القرطبي: الفتح:29.
[7]- البخاري: 2652.
[8]- مسلم: 2531.
[9]- البخاري: 3470.