أئمة الجور بين الخروج عليهم والخروج لهم عبد القادر دغوتي

أوجب الإسلام حقوقا وواجبات متبادلة بين المسلمين وأئمتهم، ومن حقوق
الأئمة على الرعية ما يلي:
– وجوب طاعتهم في المعروف وتحريم طاعتهم في معصية الله: فقد قال تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأمْرِ مِنْكُمْ” (النساء:59). وقال المصطفى صلى الله عليه وسلم: “السمعُ والطاعة على المرء المسلم قيما أحب وكره، إلا أن
يُؤمر بمعصية، فإذا أمر بمعصية؛ فلا سمع ولا طاعة” (اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان:1205).
– الصبر على أذاهم: قال نبينا صلى الله عليه وسلم: “من كره من أميره
شيئا فليصبر؛ فإنه من خرج من السلطان شبرا؛ مات ميتة جاهلية” (اللؤلؤ
والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان:1212).
– وجوب نصحهم: فعن أبي رقية تميم بن أوس الداري رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “الدين النصيحة” قلنا: لمن؟ قال: “لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم” (صحيح مسلم:55). وعن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم” (صحيح البخاري)، وأولياء الأمور هم من المسلمين الذين يجب لهم النصح…
– عدم الخروج على من جار وظلم منهم إلا أن يظهر منهم كفر بواح: وقد وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة في هذه المسألة منها: حديث عبادة بن الصامت رضي الله تعالى عنه قال: “دعانا النبي صلى الله عليه وسلم فبايعناه، فقال: فيما أخذ علينا أن بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا، وعسرنا ويُسرنا وأثرة علينا وأن لا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان”. (اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان:1207).
بين الخروج على أئمة الجور والخروج لهم:
تبين لنا مما سبق من نصوص القرآن والسنة مجمل ما يجب على المسلمين
لأئمتهم، ومن ذلك الصبر على جورهم وظلمهم وعدم الخروج عليهم؛ لما يترتب عن الخروج من فرقة وأحقاد و نزاعات لا تنتهي وفوضى عارمة وفقدان للأمن وسفك للدماء وانتهاك للأعراض، ومفاسدة عديدة…
وقد شهد التاريخ القديم والحديث على أن الخروج على الأئمة وولاة الأمر
لا يأتي بخير، بل يجر على المسلمين الشر والفساد.
لذلك فإن موقف أهل السنة والجماعة في هذا الشأن كان حازما وهو عدم
الخروج بالسيف على أئمة الجور. قال الإمام الطحاوي رحمه الله: “ولا نرى الخروج على أئمتنا وولاة أمورنا وإن جاروا ولا ندعوا عليهم، ولا ننزع يدا من طاعتهم، ونرى طاعتهم من طاعة الله عز وجل فريضة، ما لم يأمروا بمعصية، وندعوا لهم بالصلاح والمعافاة” (العقيدة الطحاوية، ص:68-70).
وإذا كان الخروج على أئمة الجور مخالفة لنصوص الشرع ومذهب أهل السنة والجماعة وهو المذهب الحق؛ فهل هذا الأمر يقتضي الرضا بظلمهم وجورهم؟
الجواب: لا، بل يجب مقابلة ذلك بالإنكار حسب المستطاع. ففي الحديث عن أم المؤمنين؛ أم سلمة رضي الله عنها؛ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إنه يستعمل عليكم أمراء، فتعرفون وتُنكرون، فمن كره فقد برئ ومن أنكر فقد سلم، ولكن من رضي وتابع، قالوا: يا رسول الله! أفلا نقاتلهم؟ قال: “لا ما أقاموا فيكم الصلاة” (صحيح مسلم:1854). ومعناه: من كره بقلبه ولم يستطع إنكارا بيد ولا لسان فقد برئ من الإثم وأدى وظيفته، ومن أنكر بحسب طاقته ؛فقد سلم من هذه المعصية، ومن رضي بفعلهم وتابعهم فهو العاصي. (صحيح رياض الصالحين ص115).
فالرضا بجور وظلم الأمراء ومتابعتهم في غيهم معصية، فكيف بمن يزين لهم الباطل والمنكر والشر ويقرهم على ظلمهم وجورهم، ويبالغ في إظهار الرضا بذلك، ويُعينهم على الطغيان والاعتداء ويحرضهم على القتل والإفساد…؟!!
إن هذا هو ما يمكن وصفه بـ: الخروج لأئمة الجور، وهو في مقابل الخروج عليهم. ويصح نعت من يسلك هذا المسلك بالخوارج؛ فيكون الخوارج فريقان أو صنفان: فريق يرى الخروج على أئمة الجور، وفريق آخر يرى الخروج لهم. والفريقان يشتركان في بعض الأصول، منها أنهما لا يُقدران حرمة دماء المسلمين، ولا يتورعون عن القتل والإفتاء بتجويزيه بل بإيجابه والتحريض عليه…!
وهذا الصنف الثاني من الخوارج، هم في زماننا المرتزقة من الإعلاميين
والصحافيين وعلماء السوء. فقد خرجوا في كل ناحية: على الجرائد والفضائيات ومنابر المساجد يصفون الظالمين القتلة بالأنبياء والأولياء الصالحين والأبطال الأفذاذ المخلَصين، ويحرضونهم على القتل ويوحون إليهم أنهم على الحق المبين، ويسارعون في إصدار البيانات المؤيدة لجورهم وظلمهم وفسادهم وإفسادهم !…
ومعتمدهم في ذلك كله: الكذب والزور والتدليس والتلبيس ولي أعناق النصوص الشرعية وتأويلها وفق ما يُرضي أهواءهم وأهواء ساداتهم وكبرائهم، فضلوا وأضلوا، كما ضل وأضل الصنف الآخر من الخوارج.
فالحاصل: أن كلا الخروجين على أئمة الجور مذموم وغير مشروع: الخروج عليهم والخروج لهم..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *