مما أثر عن الإمام الشافعي رحمه الله قوله: “لو ما أنزل الله حجة على خلقه إلا هذه السورة لكفتهم”.
نقلت هذه الكلمة عن الإمام الشافعي رضي الله عنه، ونقلها غير واحد من أهل العلم، انظر: “تفسير الإمام الشافعي” (3/ 1461)، “مجموع الفتاوى” (28/ 152)، “تفسير ابن كثير” (1/ 203)، “التحرير والتنوير” (30/ 528).
ولهذه الكلمة عدة روايات تؤدي إلى معنى واحد، ومن هذه الروايات: لو تدبر الناس هذه السورة لوسعتهم.
وقد افتتحت السورة بقسم اللَّه بالعصر، وهو الزمان الذي ينتهي إليه عمر الإنسان، المشتمل على العجائب والعبر الدالة على قدرة اللَّه وحكمته على أن جنس الإنسان في خسارة ونقصان إلا من اتصف بالأوصاف الأربعة، وهي: الإيمان، والعمل الصالح، والتواصي مع الآخرين بالحق، والتواصي بالصبر.
يقول ابن القيم رحمه الله: “فإنه سبحانه قسَّم نوع الإنسان فيها قسمين: خاسرًا ورابحًا، فالرابح من نصح نفسه بالإيمان والعمل الصالح، ونصح الخلق بالوصية بالحق، المتضمنة لتعليمه وإرشاده، والوصية بالصبر المتضمنة لصبره هو أيضًا، فتضمنت السورة النصيحتين، والتكميلين، وغاية كمال القوتين، بأخصر لفظ وأوجزه وأهذبه وأحسنه ديباجةً وألطفه موقعًا.
أما النصيحتان: فنصيحة العبد نفسه، ونصيحته أخاه؛ بالوصية بالحق، والصبر عليه.
وأما التكميلان : فهو تكميله نفسه، وتكميله أخاه.
وأما كمال القوتين فإن النفس لها قوتان: قوة العلم والنظر، وكمالها بالإيمان، وقوة الإرادة والحب والعمل، وكمالها بالعمل الصالح، ولا يتم ذلك لها إلا بالصبر.
فصار ههنا ستة أمور:
ثلاثة يفعلها في نفسه، ويأمر بها غيره: تكميل قوته العلمية بالإيمان، والعملية بالأعمال الصالحة، والدوام على ذلك بالصبر عليه .
وأمره لغيره بهذه الثلاثة، فيكون مؤتمرًا بها، آمرًا بها، متصفًا بها، معلِّمًا لها، داعيًا إليها .
فهذا هو الرابح كل الربح، وما فاته من الربح بحسبه وحصل له نوع من الخسران، والله المستعان وعليه التكلان” انتهى من “الكلام على مسألة السماع” (279).