المصلح الكبير محمد رشيد رضا من الصوفية إلى السلفية إنكاره على أهل الطرق الصوفية

أول حادثة قام بها علناً منكراً سلوك الطرق الصوفيـة.. ذات يوم وبعد صلاة الجمعة أقام أهل إحدى الطرق الصوفية ما يسميه رشيد “مقابلة المولوية” ويقول رشيد في ذلك: “حتى إذا ما آن وقت المقابلة تراءى أمامي دراويش المولوية قد اجتمعوا في مجلسهم تجاه إيوان بالنظارة، وفي صدره شيخهم الرسمي، وإذا بغلمان منهم مرد حسان الوجوه يلبسون غلائل بيض ناصعة كجلابيب العرائس، يرقصون بها على نغمات الناي المشجية، يدورون دوراناً فنياً سريعاً تنفرج به غلائلهم فتكوّن دوائر متقاربة، على أبعاد متناسبة لا يبغي بعضها على بعض، ويمدون سواعدهم، ويميلون أعناقهم، ويمرون واحداً بعد آخر أمام شيخهم فيركعون”.

أزعج هذا المنظر رشيد رضا وآلمه أن تصل حالة المسلمين إلى هذا المستوى من البدع والخرافات والتلاعب في عقائد الناس وعقولهم.

وكان الذي آلمه كثيراً هو أن هؤلاء بأدعيتهم البدعية قد اعتبروا أنفسهم في عبادة يتقربون بها إلى الله سبحانه وتعالى؛ بل يعتبرون سماع ومشاهدة ذلك عبادة مشروعة ولهذا لم يترك رشيد هذه الحادثة تمر دون أن يقوم بواجبه الإصلاحي الذي استقاه من قراءته دراسة بمدرسته السلفية التي يدرسها من خلال مجلاتها وكتبها .. حيث قام فقال: “قلتُ: ما هذا؟! قيل: هذا ذكر طريقة مولانا جلال الدين الرومي صاحب المثنوي الشريف، لم أملك نفسي أن وقفت في بهوة النظارة وصحت بأعلى صوتي بما معناه أيها الناس والمسلمون إن هذا منكر لا يجوز النظر إليه ولا السكوت عليه لأنه إقرار له وإن يصدق عليه مقترفيه قوله تعالى: “اتخذوا دينهم هزواً ولعباً” وأنني قد أديت الواجب عليّ فاخرجوا رحمك الله” ثم خرج رشيد مسرعاً إلى المدينـة .. وكانت لصيحته السلفية هذه أن أتبعه عدد قليل إلا أن صيحته لاقت صدى في مجتمعات الناي بين مؤيد ومعارض..

ورغم كثرة من عارضه وأنكر عليه من مشايخ الصوفية فقد صمم أن يسير في طريقه نحو إصلاح مجتمعه من هذه الضلالات والبدع.

ومن الغريب في الأمر أن ممن أنكر عليه شيخه الشاذلي حسين الجسر فقد كان رأيه ألا يتعرض لأصحاب الطرق الصوفية وبدعهم لا من قريب ولا من بعيد وقال لرشيد: إني أنصحك أن تكف عن أهل الطريق، فرد عليه رشيد منكراً: “هل لأهل الطريقة أحكام شرعية غير الأحكام العامة لجميع المسلمين؟

فقال: لا؛ ولكن لهؤلاء نية غير نية سائر الناس ووجهة غير وجهتهم وسأل الجسر رشيد: لماذا يقصر إنكارك على أهل الطريق دون أهل اللهو والفساد، فرد عليه رشيد قائلاً: إن أهل الطريق ذنبهم أكبر من أهل اللهو لأنهم جعلوا سماع المنكر ورقص الحسـان عبادة مشروعة فشرعوا لأنفسهم من الدين ما لم يأذن به الله على أني لم أر منكراً آخر ولم أنكره.

ومع قوة حجة رشيد على أستاذه إلا أن شيخه تمسك برأيه لأن له حضرة ووجاهة!!

وبقي الخلاف بينهما، واشتد بعد هجرة رشيد لمصر وإنكاره الشديد على أهل الطرق الصوفية في مجلة المنار، بعد أن رأى طرق الصوفية بمصر والبدع الكبيرة هناك وما يحصل في الموالد، وقد رد الجسر على رشيد، ورد رشيد على الجسر في مجلته.

قد قام على القبوريين من الصوفية وغيرهم بعد استفادته من كتب شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم إضافة إلى كتاب ابن حجر(الزواجر عن اقتراف الكبائر) .. وقد اطلع على كتاب للألوسي (جلاء العينين في محاكمة الأحمدين) فكان من أسباب تبصره بخلل الصوفية، ونقاء دعوة شيخ الإسلام .. وأن كلام الهيثمي وغيره لم يأتي إلا من هوى وهوس الصوفية!!

فرحم الله الشيخ المصلح الكبير محمد رشيد رضا على ما قدم وبذل في نصح وفضح الصوفية .. وتقبل الله توبته وأوبته من الطرق المضلة .. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *