نص عدد من أهل العلم أن الالتفات إلى الأسباب قدح في التوحيد، وترك الأسباب بالكلية والانخلاع منها قدح في التشريع.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: “ومما ينبغي أن يعلم: ما قاله طائفة من العلماء. قالوا: الالتفات إلى الأسباب شرك في التوحيد. ومحو الأسباب أن تكون أسبابا نقص في العقل، والإعراض عن الأسباب بالكلية قدح في الشرع. وإنما التوكل والرجاء معنى يتألف من موجب التوحيد والعقل والشرع” (مجموع الفتاوى 8/169).
ومعنى أن “الالتفات إلى الأسباب قدح في التوحيد: “أن الاعتماد على الأسباب، والاعتقاد بأنها مؤثرة بدون تقدير الله تعالى ومشيئته: يقدح في التوحيد؛ لأنه ليس هناك شيء يستقل بالتأثير بدون مشيئة الله تعالى، قال الله تعالى في السحرة: (وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ) البقرة/102.
ومعنى أن “الإعراض عن الأسباب بالكلية قدح في الشرع”: أن من ترك الأخذ بالأسباب بالكلية، وظن أن هذا هو كمال التوكل والاعتماد على الله: فهذا قدح في التشريع، لأن الله تعالى شرع لنا الأخذ بالأسباب، وأمرنا بذلك في مواضع كثيرة، بل دخول الجنة لن يكون إلا بأسبابه، وهي الإيمان والعمل الصالح، فمن ترك الأخذ بالأسباب: فلازم ذلك أنه لن يلتزم الشريعة وأحكامها.
والمؤمن يحقق التوحيد، فيعلم أن الأمر كله لله، ويمتثل الشرع، فيأخذ بالأسباب حيث أمر الشرع بذلك.
فـ”أهل السنة لا ينكرون وجود ما خلقه الله من الأسباب ولا يجعلونها مستقله بالآثار، بل يعلمون أنه ما من سبب مخلوق إلا وحكمه متوقف على سبب آخر، وله موانع تمنع حكمه، كما أن الشمس سبب في الشعاع، وذلك موقوف على حصول الجسم القابل به، وله مانع كالسحاب والسقف. والله خالق الأسباب كلها، ودافع الموانع” (درء تعارض العقل والنقل 9/29).