إن من العدل أن نسمي الأشياء بمسمياتها، فإذا كان ثمة ثغرة فديننا الكامل ذو النعمة التامة بريء منها، كما أنه من غير العدل أن نطرح جانبا كبيرا من العلل والمعلولات الضاربة في الخبث والخطورة، والتي تسبب فيها جيل ركب صهوة السراب واعتلى منبر الرويبضة وخاصة إذا تعلق الأمر بموضوع المرأة، ذلك أن قضيتها ليست قضية فرع وهامش، إنما هي قضية لب وقضية رهان، حربها الوطيس بين أهل الحق والحياء، وفسطاط الباطل والبلاء، لم تضع أوزارها بعد.
ربما ظن خصوم الإسلام، وتوهم من حذا حذوهم، ونهل من مراتع الاستشراق، وتأثر بفلسفة الغرب المادية، ونضح بثقافتها جهد أيمانه أن في ديننا العظيم ثغرة يستطيع حملة الصلبان ومناديبهم من بني علمان أن يتسللوا منها لواذا إلى عورة بيته، ويتسورون ثغر محرابه، ويعتلوا منابر قدحه، ويشيرون لشريعته الغراء بسبابة الاتهام، ونحن إذ نؤمن إيمان المخلصين لنعمة الانتساب ببراءة إسلامنا من كل ضير، وخلو أحكامه من كل شر يدفعنا إيماننا هذا إلى مقصورة المواجهة المؤقتة، مواجهة مناديب النبز، أرباب العوز الفكري، دعاة التحرر، حملة لواء الرعونة والتفسخ..
الذين زعموا أن أول ثغرة يستطيع عسكر سمّهم أن ينساب منها إلى وصيد بنياننا المرصوص، قضية المرأة، هذه المخلوقة التي تعامل معها الإسلام -كما يخرصون- بنوع من الاستبداد والاستعباد، فهم يرون في ثوب العفاف طوق حديد يواري جمال المنظر، ويقهر رقة الجوهر، ويستنبطون من نصوص الوحي بفهم مريض مكبوت ما يشير إلى كون الإسلام عدّ الأنوثة مرادف نقص وخسة، مقابل تكريسه لمفهوم سيادي للذكورة من خلال سيف القوامة، وسنان الأبوة الراعية.
ولأن من ثمرات إيماننا بعظمة ديننا إحساسنا الاستشرافي بحتمية هزيمة من كاد، وخيبة تأميل من مكر، فعاقبة الذل والصغار لا بد أن تلحق دهاقنة الفكر المتحلل، لصوص الغريزة المتفسخة، ولعل من ذاق حلاوة هذا الإيمان وتذوق طعم هذه الأترجة حقيقة لا بد أن يأتي عليه وقت نضج، يعرض فيه عن قعقعة القوم لأنها زبد، والزبد يذهب جفاء، وهذا الإعراض لا يجب أن يقرأ قراءة سلبية مفادها أنها دعوة منا ومن غيرنا لحراس الحدود أن يغادروا الخطوط المتقدمة من خنادق المواجهة الفكرية، إنما هو فرٌّ مرشد المراد منه الوقوف على مكامن الخطر، وتحسس حجم الثغرات التي تسبب فيها المنتسبون، ونسبت بعمد وسوء طوية إلى المنتسب إليه تنفيرا منه وصدا للناس حتى لا يعتنقوا واسع رحمته، وأنّى لهم ذلك حتى لو أنفقوا ما في الأرض جميعا.
فما هي تهمة الإسلام يا ترى، إذا قيل لسليلة صلب بيته تحجبي، فجاء جوابها أنها لا زالت لم تقتنع بفرضية هذه الفضيلة؟
وما هي جريمة ديننا إذا وجد من بنات الإسلام انتسابا من شمرن على سواعد العنس والخيبة لاستئصال شأفة الحياء، وشطب عناوين العفة والأصالة من نفوس بنات جيلهن باسم التحضر والتحرر من ربقة رواسب الماضوية المتسلطة؟
وما ذنب إسلامنا العظيم إذ وجد من أهل التسمية والانتساب رعيل من المخنثين ينكرون بالشعر، ويجحدون بالرواية والنثر وجود الدليل القطعي الثبوت المتواتر السند على فرضية شعيرة الحجاب، وينظرون إلى فضفضة ثوبه بعين المقت ومقلة الازدراء؟
نساء شبه عاريات حجابهن يحتاج إلى حجاب، فترى الواحدة منهن تلبس في حلقة الشيخ سروال “جينز” محجم لمفاتنها، لكنها توقع على هذه الموضة الجديدة بضمادة طبية تلفها على رأسها وتدفعها إلى الوراء ليرى الذئاب أثر الإصابة بين مفارق زغب الناصية، ولتأخذ الجبهة هامشا سرياليا يحكي حسم الخلاف في موضوع النمص بين المتشددين والمتنورين من تخريجة الدفعة الأولى من صناع الحياة، أهل الدعوة إلى الاعتدال والتوسط المكتسبين من دروب الحاجة والإخلاد إلى بقل الأرض وخبزها.
وما هي معصية إسلامنا البديع إذا وجد من أبنائه انتسابا جيل مستهجن مخضرم نضبت خلال المروءة من بين جوانحه، واندرست فطرة الغيرة على الدين والعرض من تجاويف فؤاده؟
إن من العدل أن نسمي الأشياء بمسمياتها، فإذا كان ثمة ثغرة فديننا الكامل ذو النعمة التامة بريء منها، كما أنه من غير العدل أن نطرح جانبا كبيرا من العلل والمعلولات الضاربة في الخبث والخطورة، والتي تسبب فيها جيل ركب صهوة السراب واعتلى منبر الرويبضة وخاصة إذا تعلق الأمر بموضوع المرأة، ذلك أن قضيتها ليست قضية فرع وهامش، إنما هي قضية لب وقضية رهان، حربها الوطيس بين أهل الحق والحياء، وفسطاط الباطل والبلاء، لم تضع أوزارها بعد.
ولعل من يقف اليوم مجردا سيف اللوم من غمد الحقد على هذا الدين العظيم، راجح أن يكون ملمًّا بحقيقة كون هذا الإسلام بريء من كل شائبة ملوثة رماه بها الخراصون المتربصون به الدوائر، ولأن إسلامنا هذا كان وسيبقى سدا منيعا وسيفا صارما أمام تنفيذ الأغراض الدنية، وذيوع الشهوات المريضة، وتحقيق الأماني المفتعلة من عقال الشرع الموحدة لسلطان الهوى، فالأمر غير مستغرب أن نسمع بين الفينة والأخرى لهذه الخشب المسندة رجزا، وأن نحس لدلجتهم ركزا، ولكن المستغرب أن يكون من صناع هذه الثغرات جيل من الدعاة الجدد مبتدعوا وسطية المقص ومحدثة الإيمان ببعض الكتاب والكفر ببعضه، الذين أوجدوا لنا رعيلا مستنسخا مدبدبا بين هؤلاء وهؤلاء..
نساء شبه عاريات حجابهن يحتاج إلى حجاب، فترى الواحدة منهن تلبس في حلقة الشيخ سروال “جينز” محجم لمفاتنها، لكنها توقع على هذه الموضة الجديدة بضمادة طبية تلفها على رأسها وتدفعها إلى الوراء ليرى الذئاب أثر الإصابة بين مفارق زغب الناصية، ولتأخذ الجبهة هامشا سرياليا يحكي حسم الخلاف في موضوع النمص بين المتشددين والمتنورين من تخريجة الدفعة الأولى من صناع الحياة، أهل الدعوة إلى الاعتدال والتوسط المكتسبين من دروب الحاجة والإخلاد إلى بقل الأرض وخبزها.
فيا للعجب أن يكون راجحا عندنا بما يدفع الشك أن هذه الفتاة التي فضلت العري والسفور خرجت من قعر بيت، بل وتخرج كل يوم على تلك الصورة المشينة والمظهر الخادش للحياء من بيت فيه أب مسؤول عن رعيته، وفيه إخوة ذكور أولي عصبة أناط بهم الشرع حفظ ملامح التدين والحشمة في مجتمعهم الإسلامي بعدما جبلهم الشارع الحكيم على فطرة الغيرة، وصبغة الحياء، ولكن أعمدة الأسرة هاته وعنوان قوامها رمت بهذه المسؤولية الشريفة ظهريا واتخذت كتابها مهجورا، بل الأدهى والأمرّ أن يشتري الأب الراعي لفلذة كبده بالثمن النفيس لباس الفجور ليعرض للمارة والمتسكعين بضاعة صلبه في قالب مغر ومثير، ولا ضير عنده في ذلك، فهي واحدة من جيلها وهي حلقة من سلسلة ذهبية تزين بها المدنية المعاصرة نحر الحداثة وجيد الحرية..
ولا ضير في هذا كله ما دام العري في عرف الثقافة الجديدة لا يقدح في رفعة الأخلاق ولا ينال من منزلة الفضيلة، سيما وأن عين هذه الثقافة الدخيلة لا تنظر إلى فضيلة الحجاب ورموز الطهر والعفاف، إلا بكونها دلالة رمزية على الاستبداد والاستعباد، وامتدادا لحالة من حالات القهر والتزمت الذي ساهم في صنعه أصحاب العمائم، ذووا اللحى المطلوقة، والشوارب المحفوفة، أهل التعصب والظلامية، عشاق الموت وثقافة القبور، فلله المشتكى، وإنا لله وإنا إليه راجعون، ولا حول ولا قوة إلا بالله.