فصل المقال في الإنكار على من شرع الابتهال إلى أضرحة سبعة رجال محمد القريفي

بينما كنت أتصفح عناوين الجرائد الوطنية بأحد الأكشاك المحلية، استرعى انتباهي كتيب صغير عنوانه : ” سبعة رجال مراكش: أدوارهم السياسية والتربوية والاجتماعية” للدكتور حسن جلاب، فسارعت لاقتنائه آملا أن أجعله مرجعا أستأنس به لحظة الإعداد لحلقات جديدة عن القبورية بالمغرب، سيما وأن صاحب هذا الكتيب، كما هو مبثوث على ظهر الغلاف كان عضوا بالمجلس العلمي الإقليمي لمراكش مابين 2001 و2004، فضلا عن أن الكتيب المشار إليه آنفا، سبق وأن طبع من طرف المجلس العلمي لجهة تانسيفت مراكش الحوز ضمن سلسلة «التوعية الإسلامية» العدد السابع/عام 2003.

حصوننا العقدية مهددة من الداخل.
ومادام الأمر كذلك، قلت في نفسي هذه فرصة ثمينة أطلع فيها على كلام أحد أعضاء المجالس العلمية المغربية المعاصرة، وهو يفند شبهات القبوريين ويجرد سيف قلمه لإنقاذ الغارقين في غياهب الخرافات والأوهام الشركية الذين أوشكوا على الهلاك، لكن هذا الظن سرعان ما خاب وتبخر، بمجرد قراءتي لهذا الكتيب، وتبين لي بجلاء أن الدكتور صاحب الكتاب وأمثاله من أكبر عوامل استفحال داء تقديس القبور والأضرحة بالمغرب، بما يقدمه من تنظيرات وتبريرات ومغالطات تسوغ ما يقع فيها من انحرافات عقدية وأخلاقية.
ويزداد الأمر سوءاً عندما يحرص أتباع هذه الأضرحة والمنتفعون منها على التأصيل لهذه الانحرافات، فتلقى المحاضرات وتؤلف الكتب التي تحارب عقيدة التوحيد وتحرض على الشرك ويتواطأ بعض علماء الأوقاف في إقرارها عبر صمتهم وعدم إنكارهم، وليت الأمر اقتصر على مجرد التنظير والتسويغ، بل وصل إلى الممارسة الفعلية كما يقوم بها أي خرافي، فهذا أحد المشرفين على الحقل الديني بمراكش يقوم بزيارة أضرحة سبعة رجال وفق برنامج سنوي، حيث تشرف المندوبية الجهوية للشؤون الإسلامية بجهة تانسيفت مراكش الحوز على تنظيم جولتها بأضرحة سبعة رجال ضمن أجندة كانت قد ابتدأتها منذ سنوات وذلك كل سنة، ومن ضمن فقرات البرنامج لسنة 2008 أقيمت حلقات عديدة: يوم الأحد 10 غشت 2008: بضريح سيدي عبد العزيز التباع، ويوم الأحد 17 غشت 2008: بضريح مولاي عبد الله الغزواني، ويوم الأحد 24 غشت 2008: ضريح الإمام السهيلي، كما اختارت المندوبية تنشيط الجانب «الصوفي» في المدينة والتركيز على المهرجانات ذات العلاقة بالأضرحة والزوايا الدينية، فلا نستغرب والحالة هذه انتعاش سوق الخرافة و الوهم.

نماذج من شطحات الدكتور حسن جلاب عضو المجلس العلمي الإقليمي سابقا.
قد يزعم بعض ممن نذر نفسه لحراسة الفكر القبوري، أن مثل هذا الكلام محض افتراء بلا حجة أو برهان، وفيه نوع من التجني والتسرع في إصدار أحكام جاهزة مسبقة، ولهؤلاء وغيرهم نضع نصب أعينهم نماذج من شطحات رجل أخذ على عاتقه مشروع إحياء الفكر القبوري الخرافي، عبر تحقيقه للكتب الصوفية والتعريف بأعلامها ورموزها.
النموذج الأول: سبعة رجال وتنظيم الطواف تشبها بمناسك الحج.
يقول الدكتور حسن جلاب في معرض التعريف بيوسف بن علي الصنهاجي أحد الرجالات السبعة: “ولعل من أسباب هذا الاختيار كذلك تقليد الطواف حول الكعبة فضريح يوسف بن علي يقع قبلي مراكش، فأشبه الركن اليمانـي من كونه قبلي البيت، لأنه ناظر إلى جهة الشـرق والانطلاق منه إلى باقي الأضرحة.” (1)
وهذا الكلام يذكرنا بما يفعله بعض القبوريون الذين شرعوا للقبور حجاً، ووضعوا له مناسك فيما يعرف بحج المسكين، حتى صنف بعض غلاتهم في ذلك كتاباً سماه: (مناسك حج المشاهد) مضاهاة منه بالقبور للبيت الحرام، ولا يخفى أن هذا مفارق لدين الإسلام ودخول في دين عُبَّاد الأصنام.

النموذج الثاني: إقحام العلامة ابن القيم عنوة في اختيار الرقم سبعة دون غيره تزكية للفكر القبوري.
“وقال ابن القيم الجوزية في كلامه عن حديث عمر بن سعد ابن أبي وقاص عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من تصبح بسبع تمرات من تمر العالية لم يضره ذلك اليوم سم ولا سحر”(2)”….وهكذا فإن القدماء اهتموا بأسرار هذا الرقم أكثر من غيره، لذلك كان الاتجاه نحو اختيار سبعة رجال بالضبط وفي اعتقادي أن هناك قرائن وعوامل رجحت هذا الاختيار أهمها”(3): “….أن شعور سكان المدن بالخوف، من هجومات الأجانب ومن الكوارث الطبيعية والأوبئة والأمراض جعلهم يتعلقون بأوليائهم حماة المدن، ويداومون على زيارتهم في شخص سبعة منهم يتم اختيارهم وتحديد طقوس زيارتهم”. (4)
لا شك أن القارئ اللبيب يستشف من مثل هذا الهذيان نوعا من الافتراء والكذب على إمام كرس حياته للذب عن عقيدة التوحيد، ولا ندري ما علاقة سبع تمرات بسبعة رجال، وما سر هذا الربط العجيب الغريب؟؟!، وها أنا ذا أضع أمام القارئ الكريم كلاما قيما لابن القيم يكشف مغالطات الكاتب وينسف من خلاله مشروع الدكتور المحترم من جذوره.
(هل يمكن لبشر على وجه الأرض أن يأتي عن أحد منهم [أي: السلف الصالح] بنقل صحيح أو حسن أو ضعيف أو منقطع أنهم كانوا إذا كان لهم حاجة قصدوا القبور فدعوا عندها، وتمسحوا بها، فضلاً أن يصلّوا عندها، أو يسألوا الله بأصحابها، أو يسألوهم حوائجهم، فليوقفونا على أثر واحد، أو حرف واحد في ذلك…) (5)
المولى سليمان يفصل المقال فيمن شرع الابتهال إلى أضرحة سبعة رجال.
قد يعترض علينا بعض القراء خاصة أولئك الذين لهم حساسية مفرطة من كلام الأئمة الأعلام كابن القيم رحمه الله، بأن ما قلناه في ثنايا هذه المقالة، محض قراءة وهابية حنبلية مشرقية، وطبعا لن أجيب عن هذه الشبهة بنفسي، وإنما سأفسح المجال لعلم من أعلام الدعوة السلفية المغربية، يتعلق الأمر بالسلطان المولى سليمان رحمه الله تعالى (1238ﻫ) الذي قدم أعمالا رائعة في حماية جناب التوحيد منها ما قام به سنة 1804م من منع القبائل المجاورة للرباط من إقامة موسم بضريح سيدي يحيى بن منصور، وفي السنة التالية 1805 أمر المولى سليمان بهدم القبة التي بنيت على ضريح والده، وفي سنة 1806م أصدر رسالة هامة في تحريم السماع، هاجم فيها الطرق الصوفية وما تلجأ إليه من استعمال الطرب والرقص لأغراض العبادة.
وهذا السلطان نفسه له كلام قيم في الدعوة إلى التوحيد منكرا على مريدي سبعة رجال بمراكش:
“من الغلو البعيد، ابتهال أهل مراكش بسبعة رجال، فهل كان لسبعة رجال شيعة يطوفون عليهم، فعلينا أن نقتدي بسبعة رجال ولا نتخذهم آلهة لئلا يؤول الحال فيهم إلى ما آل إليه من يغوث ويعوق ونسرا…” (6)
ختاما، هذا ما أحببنا التنبيه إليه بما احتوى عليه كتيب “سبعة رجال مراكش وأدوارهم السياسية والتربوية والاجتماعية”، وهو تنبيه على سبيل الاختصار، وندعو الدكتور حسن جلاب -هداه الله- وكل من يتحامل على المنهج السلفي وينعته بالوهابية لينفر الناس منه، ويؤصل للانحرافات القبورية المناقضة لعقيدة الصحيحة التي نص عليها القرآن الكريم، وفصلتها السنة النبوية المطهرة، إلى الرجوع إلى الحق، فالرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل، كما نهمس في أذنه أن الدعوة إلى إحياء الثقافة القبورية، لن تفيد الأمة والوطن والفرد والمجتمع، لما تحمله من مخالفات عقدية وأخلاقية تكرس المزيد من الجهل والتخلف في الدنيا، وتستجلب عقاب الله في الدارين.
ــــــــــــــــــــ
(1) الكلام للدكتور صاحب الكتاب “سبعة رجال مراكش أدوارهم السياسية والتربوية والاجتماعية” ص28.
(2) المصدر نفسه ص51.
(3) المصدر نفسه ص52.
(4) المصدر نفسه ص53.
(5) إغاثة اللهفان لابن القيم 1⁄ 318.
(6) “الحياة الأدبية في المغرب على عهد الدولة العلوية” ص 366 نقلا عن كتاب السلفية في المغرب للأستاذ حماد القباج ص150

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *