الفقر العاطفي وخطره على المجتمع والبيوت فاطمة السوسي

في خضم هذه الحياة المؤلمة، وفي ظل مجتمع يكاد التفكك يخسف بما بقي فيه من ركائز اجتماعية وروابط أسرية، تبرز مشكلة خطيرة تعاني منها بعض البيوتات المسلمة، إنه الفراغ العاطفي بين الزوجين خصوصا من طرف الزوج، بعدما يذبل الحب والود مع مرور السنوات الأولى..
لطالما حاول الرجل أن يوفر مطالب الحياة من المأكل والمشرب والمسكن، ولربما زاد وأفاض، ولكنه يغفل عن أعظم من ذلك، بل قد لا يعره اهتماما، بزعم منه أنه مشغول أو متعب إلى غير ذلك من الأعذار، رغم أنه يعلم أن جوع البطن يؤدي للموت فسعى جاهدا لملئه، لكنه جهل أن جوع العاطفة يؤدي لا قدر الله بدس وجهه في التراب، قال الله جل وعلا: “وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ”، فالفراغ العاطفي غريزة في النفس البشرية تحتاج المرأة لإروائها فإن لم تجد إشباع هذا الفراغ العاطفي بالطرق السوية، وضعف الوازع الديني عندها، لا شك أن الحرام سيأخذ زمام المبادرة خاصة في ظل هذه التطورات الممثلة باستخدام الانترنت ووسائل الاتصال الحديثة، فيبدأ هذا العقل الباطني بالشعور بالسعادة والاستمتاع بمحادثة الطرف الآخر الذي ينتهج المثالية في الحوار، حيث يستمع لكلامه بإنصا ت، ويسدي النصيحة، ويقول أعذب الكلام..
ففي غرف الحوار وبرامج المحادثة التي تعطي الأمان والضوء الأخضر لمرتاديها، الكل يرتدي قناع الصدق والإخلاص لمحادثه، رغم أنهم لا تربطهم ببعضهم سوى “شات” صماء، وحروف مصفوفة ترسم مشاعر وأحاسيس مزيفة، والخطير أنه يظل لهذه المحادثات وقعها الخاص على أصحاب النفوس الضعيفة ممن يعانون من فقر العاطفة .
فما معنى الفراغ؟
وما هي أسبابه؟
وما هو علاجه؟
الفراغ: هو الخلو، والانتهاء من الشيء، وجعله خاويا فارغا، قال الله تعالى: “فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ، وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ”، وهذا توجيه من الله للنبي صلى الله عليه وسلم، أن بعد فراغك وانتهاء عملك مع الناس، أن التجئ للعبادة.
والعاطفة: من عطفت عليه: أي أشفقت عليه، يقال ما تـُثْـنيني عليه عاطفة من رحم ولا قرابة، والعطوف كثير العطف والرحمة.
والعطف يحتاجه الصغير من الكبير، ويحتاجه الضعيف من القوي، و”الفراغ العاطفي” الذي نتحدث عنه معناه بالجملة أن يكون قلب الشاب أو الفتاة (فارغا من عطف أحد عليه وحبه وتودده)، فتجده يبحث عن قشة يتعلق بها لتملأ هذا الفراغ.
والفراغ العاطفي محله القلب، والقلب مثل الكأس إذا ملأته اكتفى، وإذا أفرغته صار قابلا لاحتواء أي شيء، فالقلب العامر بذكر الله والتعلق به، والمملوء بحب الأهل والأحباب وأهل الخير، مكتف مملوء، وفي المقابل عندما يكون القلب خاويا من محبة الله والتعلق به، وتبادل الحب والمودة والسكن مع الأهل، بالتأكيد سيحتاج لاحتواء هذا الفراغ بما يسد حاجته، ومن هنا نجد الشاب أو الفتاة يتخبط يمنة ويسره لاهثا وراء الشهوات، فتظهر المعاكسات والعلاقات الآثمة، وتخرب البيوت، وتتشتت الأسر، بعد انعدام قبول القريب الجافي..
أسباب الفقر العاطفي:
1- حرمان مؤسسة الأسرة لأفرادها من المشاعر والعطف.
2- تعامل بعض الأسر بجفاء مع أبنائها ذكورا كانوا أم إناثا، والوصاية والتحجير عليهم في أمور يسمح لهم فيها بإبداء الرأي والمشاركة بالكفاءة..
3- تهميش الفتاة من إخوتها وعدم إعطائها حقها في منزلها الصغير، فقط كل شيء ممنوع.
4- ابتعاد الأب والأم عن فلذات الأكباد، وعدم معرفة همومهم وأسرارهم، أو ابتعاد الزوج عن زوجته فيتركها جوعى يطعمها غيره بالحرام.
5- تركهم يهيمون في عالم مجهول لا مراقب ولا محاسب، وتوفير القنوات لهم في غرفهم الخاصة لا يدرون أين هم؟ هل في قنوات إسلامية أم قي قنوات الصرف الصحية؟
6- توفير وسائل الاتصال وعدم مراقبتهم لتأطيرهم ومعرفة مَن يكلمون ومن يعرفون من أصدقائهم بشكل لا يحرج مشاعرهم..

العــلاج:
1- غرس خشية الله في النفوس، فهي أنجع علاج للمشكل بربط قلوبهم بالله ورفع المعدل الإيماني لديهم.
2- اقتراب الوالدين من الأبناء وخاصة الفتيات، وكذلك أنت أيها الزوج الطيب إن لم تملء كوب حلالك بالعسل ملأه غيرك بالوحل أو دس السم في الأهل.
3- على الفتيات والفتيان اختيار الصديق المناسب طبعا من جنسه.
4- تسجيلهم في دور التحفيظ، وأنت أيها الزوج لا تبخل على أهلك بدمجها في حلق الذكر، أن تشغل وقتها قدر الإمكان، ولا تبقى فارغة فيسقطها الشيطان في بئر بوار.
والفراغ العاطفي من أمراض العصر النفسية، ولربما حتى الجسمية، حيث ذكر الكثير من الأطباء أن سبب الاكتئاب والقلق والهم بهذا الفراغ، فالفراغ هو عاطفي وفكري وإيماني.
والإنسان عندما يسيطر عليه الفراغ يحس بعدم جدواه في هذا المجتمع وأنه عنصر غير فعال وغير مؤثر والشيطان يتسلط على الإنسان الفارغ الخاوي، ويوسوس له فتجده يتحرك بتأثير الشيطان، قال ابن القيم الجوزية: الشيطان ذكر والنفس أنثى فإذا حصل التزاوج جاء أولاد الحرام (الذنوب والمعاصي).
فهل سننتبه لهذا الخطر الكبير، أم نترك أسباب فساد المجتمع والبيوت، تفعل بنا الأفاعيل؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *