دردشة “هادئة” مع رويبضة “نيشان” عبد المغيث موحد

ربما وعلى غير العادة، أحببت أن يكون حبل ردي على هذا الأنموذج النيشاني الفريد، خريج مدرسة العقل المتفسخ، ممتدا إلى ما بعد الوضع، يوم أن عق عليه الأب الكريم، فسمّاه بالفأل الحسن، متوسما فيه أن يكون نسمة عزة وخير لدينه ابتداء، ووطنه عطفا، وتلك وصية الحبيب إلى رجال أمته الخالدة، ولا أرى بالنظر إلى الاسم، إلا أن الأب الكريم، كان من الذين سمعوا القول فاتبعوا أحسنه، فقد سمّاه الوالد عز الدين، وكنّاه بالهادف، ولا يخفى على كل ذي لب، أن الأسماء في حياة حامليها، الموسومين بمبناها، الراجين تحقيق معناها، شأن عظيم.
فغالبا ما يكون للاسم دلالة على ما عرف ويعرف به المسمى تحقيقا وتعليقا، ولذلك عرفنا من بين من عرفنا، من كانت كنيته الأبي، فعاش لا يقبل الذل ولا المهانة، وسمعنا عن من سماه أبوه أمين، فحمله اسمه هذا إلى أن يعيش بين المعارف والغرباء ذا أمانة ومروءة، ولنا في الصادق الأمين، وصحبه الكرام، الأسوة الحسنة، والمثل الأسمى، فيما قلناه وقررنا أصله سلفا، ولكننا نستدرك لنقول: “أن هذا الأصل لا يشوبه الاطراد على طول سبيله”، إذ دلنا الواقع على أن هناك مثالا لا حصرا، من سمّاه الوالد أحمد تيمنا بسيد الخلق، لكنه عاش يوثر حياة مذمم، وصويحبنا رويبضة نيشان، الذي نذر أن يطوي جنانه على حرب كل سَامٍ، ويوجه بنانه للتصدي لما عجزت عن الوقوف أمام مَدّه الأخضر الجبال الراسيات، فما ظن رويبضة يتجاسر على إنكار ربوبية من خلقه، ويبغي سفالة -باسم العقلانية- قَطْعَ ما سماه بالحبل السري بين السماء والأرض، ذلك القطع الذي جعله صويحبنا ضرورة ضراء، وأسا أساسا للتقدم والهرولة في طريق الحداثة، والعض على عصا التغيير السحرية، والسجود لطاغوتية علمانيته، التي مص حليبها المستورد الملوث، من ثدي النظريات المادية اللادينية، فأمسى يتطاول على المقامات الربانية السنية، وهو من هو!! رضيع في طور الحبو المدبدب بين الزحف والسحل.
وحتى لا تأخذنا العزة بالحق، فنلج رواق الملاسنة، فقد قرأت بتدبير من الله مقال صويحبنا هذا، الذي عنونه بـ”طاحت الشتا علقوا السما”، ورغم أن هذا المقال، قد مضى عليه حين من الأسابيع، إلا أنني لا أرى ضيرا في الرد على هذا الصنف من المتعالمين الجدد، رغم أنه ادعى أن لا أحد من” الإسلاميين”، يتجرأ على الإجابة عما واجههم به من حقائق منضبطة، مع مفاهيمه اللاعقلية المريضة.
ولعل أول ما لفت انتباهي، وأنا أقرأ ما سطره صويحبنا باسم العقل الحداثي، هو ملف العدد، إذ تزامنت قعقعة عز الدين حول الفيضانات التي شهدتها بلاد الحرمين الشريفين، بتجربة باتولهم الفضولية، التي عاشتها بين صفوف بغايا إحدى المدن المغربية، فخرجت منها بألبوم من الصور القميئة، والمشاهد الراعنة، ونحن قبل تصويب السهم الكاسر، نسأل صاحب العقل المستنير: هل من الآداب العقلية، والحشمة العرفية، والمروءة المنزهة عن الدياثة المستوردة، أن تحل خرقة “نيشان”، الموشومة بوابل من الخوادش اللاأخلاقية، ضيفة على البيوت المغربية المسلمة، وموائدها الثقافية العريقة؟
وكيف يدخلها العقلاء إلى بيوتهم، وقد أثثت فضاءها الملغوم بكل مقذور، وما تركت ركنا مقدسا في هذا الأمة إلا وحاولت تدنيسه، بل وصلت بها الصفاقة إلى التنكيت بالله ورسوله، وفتاوي ورثة التركة المباركة، واليوم يرى هذا الرويبضة بقصد مشبوه، أن حدوث الفيضانات في عز موسم الحج، وفي أقرب نقطة إلى مكة والمدينة، تبرير قاطع، وبرهان ساطع، على رد مُسَلّمة “الإسلاميين” التي مفادها، أن الكوارث الطبيعية هي غضب رباني، ويزكي ما وصل إليه من اكتشاف بديع، بطرح سؤاله المدخون: “واش دابا الفيضانات اللي وقعات بأقدس بقعة في البلاد الإسلامية غضب رباني حتى هي؟”، ثم يخلص صويحبنا بعد هذا الارتجال الركيك، إلى أن العقل المستنير لا يرجع إلى تبرير ما وقع لقوى غيبية، بل يبحث في الأسباب الأرضية، التي منها وعلى سبيل ما وقع في دولة السعودية فقدانها لبنية تحتية رفيعة تليق بمقام دولة بترولية.
فعند صويحبنا، المجتمعات الحداثية بَنَت تقدمها على تحديد المسؤوليات، بينما ظلت المجتمعات البدائية على حد تعبيره، ترجع المرة تلو الأخرى، إلى ربط ما يقع على الأرض بإرادة السماء، ليس إلا كما زعم، فيا ليت شعري، كم هو البون شاسع بين من قال هذا، و من جاءت شهادة الله تخبيرا عنهم بقوله تعالى: “قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ والأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللّهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ” يونس، فإذا استبان البون، فاعلم أن المسلمين المغاربة، “وليس الإسلاميين بنزوع عنصري مقصود منك”، ليعلمون بل يقرون اعتقادا بالجنان، وقولا باللسان، وتسطيرا بالبنان، أن الله سبحانه هو خالق كل شيء، فإن سألت عن الدليل، فلن يحتاج هؤلاء المسلمون الموحدون إلى نظرية النشوء والارتقاء، بل سيجيبون على وجه اليقين والثبات بقوله عز وجل: “اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ” (زمر:62)، وإنه سبحانه المتفرد بالملك، ودليلهم ليس كتاب الأمير لمكيافلي، بل دليلهم قوله تعالى: “لِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ” (المائدة:120)، وأنه سبحانه المتفرد بالتدبير، ودليلهم ليس فرضية غضب الطبيعة، بل دليلهم قوله تعالى: “يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ” (السجدة:4)، وأنه سبحانه إذا ابتلى أحدا من خلقه، فإننا نميز في هذا الابتلاء، بين ما هو وقع على أوليائه من خلقه، فيكون ابتلاؤهم، ابتلاء دفع ورفع، فيدفعهم به إلى التوبة، ثم يرفعهم إلى القرب والعندية، وما هو واقع على أعدائه وخصوم أوليائه، فيكون ابتلاؤهم، ابتلاء ردع وقصم، ثم أخذ بإبلاس، وانظر إلى الصديقة بنت الصديق، وهي تسأل الصادق المصدوق فتقول: “أنهلك وفينا الصالحون!”، فيجيبها الرحمة المهداة: “نعم” إذا كثر الخبث”، ثم اسمع لحبيبنا وهو يجيب الصحب الكرام، حينما استفتوه عن أشد الناس بلاء فيقول: “الأنبياء والرسل، ثم الأمثل فالأمثل”، ثم اسمع لما ضربه الله من الأمثال وعلق فهمه حصرا وقصرا على ذوي الألباب: “فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً لِلْآخِرِينَ” (الزخرف:55-56)، “إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ” (ق:37)، “وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنظُرُونَ” (الذاريات:43-44)، و الآيات في هذا الباب كثيرة كثيرة، لا ينكرها إلا من كان به عمىً أو رمد، فأمن من مكر الله، على جهالة بالله وقدرته، وثقة بنفسه المريضة، وزهو وإعجاب بأدرانها الخبيثة.
والمسلمون يؤمنون بالأسباب، ولكنهم لا يجعلونها لله ندا، فإيمانهم بهذه الأسباب ليس إيمانا بأنها مستقلة بذاتها في باب التأثير، إنما هي مؤثرة بسبب ما أودعه الله فيها من علل فاعلة، فالنار محرقة بالأسباب التي أودعها الله فيها، فلما أمر بتعطيلها كانت على سيدنا إبراهيم بردا وسلاما.
فإذا وصلك خبرنا هذا، وأعرضت عنه، ولم يرق عقلك، وأصررت على الإخلاد إلى الأرض، معتبرا غرق أهل جدة في عز موسم الحج، وهي الأقرب إلى مكة والمدينة -ونحن نعلم من قولك هذا، ما وراء تله وأكمته-، هو عدم توفر أرض الحرمين على مجاري حداثية لصرف المياه الحارة، فإننا لا نملك إلا أن نسألك عن أسباب ما أصاب رمز مدنيتك القشيبة، يوم أن أغرقتها أعاصير كترينا، فهل يا ترى بلاد العم سام، هي الأخرى لا تتوفر على قنوات الواد الحار؟؟
فإذا حصلت لك نعمة الإجابة على بصيرة من الله، فستعرف لزوما مَن صاحب العقل، أهو الذي يقول “طاحت الشتا علقوا السما”، أم الذي يتعبد ربه بقوله تعالى: “وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاء إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ” سبحانه وتعالى.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *