الموارد الجبائية غير الدورية وغير الثابتة إبراهيم بوحمرة

النظام الجبائي المالي في الإسلام

والمراد بها الموارد المالية الجبائية غير الدورية والمؤقتة في الموازنة العامة لأنها لا تتكرر بانتظام سنويا فيها لتوقفها على ظروف الفتوحات الإسلامية، لذلك فليس لجبايتها وقت محدد بل هي مرهونة بأسبابها مثل الغنيمة والفيء والتوظيف المالي وفرض بعض الضرائب حسب الحاجة وغير ذلك.

أولا: الغنائم
1- تعريف الغنائم في اللغة والاصطلاح الشرعي:
– تعريفها في اللغة: من الغنم: الغين والنون والميم أصل صحيح واحد يدل على إفادة شيء لم يملك من قبل ثم يختص به ما أخذ من مال المشركين بقهر وغلبة( 1)، والغنم بالضم كالفيء والفوز بالشيء بلا مشقة(2 ).
– تعريفها في الاصطلاح الشرعي: «ما أخذ بالقهر والقتال من الكفار»(3 ).
– ما يصيب المسلمون من عساكر أهل الشرك وما أجلبوا به من المتاع والسلاح والكراع( 4).
الغنيمة اسم مأخوذ من أهل الحرب على سبيل القهر والغلبة(5 ).
2- حكمها الشرعي:
هي ثابتة بالكتاب والسنة والإجماع.
أما الكتاب فلقوله تعالى: واعلموا أنما غنمتم من شيء فإن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل الأنفال:40.
قال القرطبي: «واعلم أن الاتفاق حاصل على أن المراد بقوله تعالى: غنمتم من شيء مال الكفار إذا ظفر به المسلمون على وجه الغلبة والقهر(6 ).
وقال ابن العربي في بيان أحكام أسهم الغنيمة: «إذا عرفتم أن الغنيمة هي ما أخذ من أموال الكفار، فإن الله قد حكم فيها بحكمه، وأنفذ فيها سابق علمه، فجعل خمسها للخمسة الأسماء، وأبقى سائرها ثمن غنمها»( 7).
وأما السنة فلما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر حديث تحليل الغنائم «فلم تحل الغنائم لأحد من قبلنا، ذلك بأن الله تبارك رأى ضعفنا وعجزنا فطيبها لنا»(8 ).
وأما الإجماع: قال ابن تيمية: «وما زالت الغنائم تقسم بين الغانمين في دولة بني أمية وبني العباس لما كان المسلمون يغزون الروم والترك والبربر»( 9).
ومن المعروف أن خمس الغنائم يودع في بيت مال المسلمين ويقسم الباقي على الجند المقاتلين، وخمس الغنائم تعتبر إيرادا مؤقتا واستثنائيا لا يتكرر سنويا في الموازنة العامة بسبب توقفه على الفتوحات الإسلامية.
ثانيا: الفيء
1- تعريف الفيء في اللغة والاصطلاح الشرعي:
– تعريفه في اللغة: الفاء والهمزة مع معتل بينهما كلمات تدل على الرجوع وكل رجوع فيء( 10).
الفيء: ما رد الله تعالى على أهل دينه من أموال من خالف دينه( 11) الخراج والغنيمة( 12).
– تعريفه في الاصطلاح الشرعي: هو «كل مال وصل من المشركين عفوا من غير قتال، ولا بإيجاف خيل ولا ركاب فهو كمال الهدنة»(13 ).
2- حكمه الشرعي:
ثبتت مشروعيته بالكتاب والسنة وإجماع الأمة.
فأما الكتاب فقوله تعالى: وما أفاء الله على رسوله منهم فما أو جفتهم عليه من خيل ولا ركاب ولكن الله يسلط رسله على من يشاء والله على كل شيء قدير. ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم سورة الحشر:5-6.
قال ابن العربي: «المعنى أن هذه الأموال وإن كانت فيئا فإن الله تعالى خصها لرسوله»(14 )، وقال القرطبي: «فجعل أموال بني النضير للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة يضعها حيث يشاء، فقسمها النبي صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين»(15 ).
وأما السنة فعن عمر رضي الله عنه قال: كانت أموال بني النضير مما أفاء الله على رسوله، مما لم يوجف عليه المسلمون بخيل ولا ركاب، فكانت للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة فكان ينفق على أهله نفقة سنة وما بقي يجعله في الكراع والسلاح عدة في سبيل الله (16 ).
وأما الإجماع فقد أجمعت الأمة على أن الفيء من الأموال التي يستحق الإمام قبضها بالإجماع(17 ).
واختلف في مصرف الفيء إلى مذهبين:
المذهب الأول: ذهب الأئمة الثلاثة أبو حنيفة ومالك وأحمد إلى أنه يصرف في مصالح المسلمين، ويقدم منها الأهم فالأهم، فيعطي منه الجند والقضاة والعلماء، وتسد منه الثغور، وهي مواضع الخوف في البلاد، ويصرف منه في إصلاح الطرق وإقامة الجسور( 18)، وهذا قول عامة أهل العلم(19 ).
المذهب الثاني: وذهب الشافعي إلى أنه يخمس ويعطى أربعة أخماس للجنود المرصدون للجهاد، والخمس الباقي يقسم خمسة أقسام يصرف أحدها في مصالح المسلمين والأخماس الأربعة الباقية تصرف لذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل.
وبذلك يترجح رأي الجمهور في مصرف الفيء والصحيح أنه لا يجب فيه الخمس( 20).
والفيء يعتبر من الإيرادات المالية غير الدورية والمؤقتة في الموازنة العامة لأنه لا يتكرر بانتظام سنويا فيها لتوقفه على ظروف الفتوحات الإسلامية.
ثالثا: التوظيف المالي
1- مفهوم التوظيف:
التوظيف المالي يعني فرض تكاليف إضافية في أموال الأغنياء بما يكفي حاجة الجند والفقراء وغيرهم، والتوظيف أي استحداث ضرائب إسلامية جديدة منضبطة بضوابط شرعية أصل لها ثلة من الفقهاء القدامى.
يقول ابن حزم رحمه الله: «..وفرض على الأغنياء من أهل كل بلد أن يقوموا بفقرائهم، ويجبرهم السلطان إلى ذلك، إن لم تقم الزكوات بهم، ولا فيء سائر أموال المسلمين»( 21).
وأصل الإمام أبو حامد الغزالي لوجوب فرض الضرائب حسب ما تمليه الحاجات الضرورية للمجتمع بقوله: «إذا خلت الأيدي من الأموال، ولم يكن من مال المصالح ما يفي بخراجات العسكر… فيجوز للإمام أن يوظف على الأغنياء مقدار كفاية الجند. ثم إن رأى في طريق التوزيع التخصيص بالأراضي، فلا حرج، لأنا نعلم أنه إذا تعارض شران أو ضرران قصد الشرع دفع أشد الضررين وأعظم الشرين»(22 ).
وعلى نهج الغزالي سار الإمام الشاطبي في كتابه الاعتصام مقررا لهذه المسألة بقوله: «إذا قدرنا إماما مطاعا مفتقرا إلى تكثير الجنود لسد الثغور وحماية الملك المتسع الأقطار، وخلا بيت المال عن المال فللإمام -إذا كان عدلا- أن يوظف على الأغنياء ما يراه كافيا لهم في الحال إلى أن يظهر المال في بيت المال»(23 ).
2- ضوابط التوظيف:
هذا التوظيف يجب أن ينضبط بشروط من أهمها(24 ):
– وجود حاجة حقيقية ومصلحة ظاهرة متحققة: فلا يجوز فرض الضرائب والتوظيف لحاجات خاصة، أو لحاجة غير شرعية أو لما ليس فيه مصلحة راجحة ظاهرة للمسلمين.
– عجز بيت المال على كفاية هذه الحاجة بل اشترط بعض العلماء خلو بيت المال من المال تماما.
– أن تكون الضرائب بقدر الحاجة: فالتوظيف أو فرض الضرائب إنما هو للضرورة، والضرورة تقدر بقدرها.
– أن تكون مخصصة للإنفاق على ما فرضت له: أي تصرف أموال الضرائب فيما فرضت لأجله.
– أن يتم فرضها على الأشخاص بالعدل: فيراعى في فرضها القدرة على دفعها، والتسوية بين القادرين المتماثلين في فرضها.
ولهذا أفتى علماء المسلمين في عصور مختلفة بوجوب إمداد بيت المال بما يلزمه من ضرائب يفرضها الحاكم المسلم لدرء خطر أو سد حاجة(25 ).
وتجدر الإشارة إلى أن هناك إيرادات أخرى غير دورية ولا تنضبط تحت تقدير معين إما بسبب ضآلة حصيلتها ونسبتها؛ أو لأنها غير ثابتة في الموازنة العامة؛ وتتمثل في الأموال التي ليس لها مستحق معين كاللقط أو التي تعذر معرفة أصحابها كالأموال الضائعة والمغصوبة والمسروقة ولم يعرف أصحابها وأموال من مات من المسلمين وليس له وارث معين، وكل مال لم يعرف مالكه فهو فيء يوضع في بيت مال المسلمين.
—————————–
(1 ) معجم المقاييس لابن فارس: (2/304)
(2 ) القاموس المحيط للفيروزآبادي: ( 4/105)
(3 ) المغني لابن قدامى: (9 /81)
(4 ) كتاب الخراج لأبي يوسف ص:121.
(5 ) بدائع الصنائع للكاساني: (9 /473 )
(6 ) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي: (4/365 )
(7 ) أحكام القرآن لابن العربي،: (2/325 )
(8 ) صحيح مسلم كتاب الجهاد والسير باب تحليل الغنائم لهذه الأمة خاصة: (2/ 228)
(9 ) السياسة الشرعية لابن تيمية، ص:51.
(10 ) معجم مقاييس اللغة لابن فارس: (2 /323 )
(11 ) لسان العرب لابن منظور: (11/ 247)
(12 ) مختار الصحاح للرازي ص: 286.
(13 ) الأحكام السلطانية للماوردي ص:148، والمغني لابن قدامة: (9/81)
(14 ) أحكام القرآن لابن العربي: (4/161 )
(15 ) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي: ( 9 / 274)
(16 ) صحيح مسلم كتاب الجهاد والسير: باب حكم الفيء: (2/233)
(17 ) السياسة الشرعية لابن تيمية، ص:62.
(18 ) بدائع الصنائع للكاساني: (9/471)
(19 ) المغني لابن قدامة: (9/83)
(20 ) بدائع الصنائع للكاساني:( 9/471 )
(21 ) المحلى بالآثار لابن حزم الظاهري: ( 4/ 281)
(22 ) المستصفى من علم الأصول: ( 1 /426 )
(23 ) الاعتصام للشاطبي: (3/ 25- 26)
(24 ) المالية العامة والنظام المالي الإسلامي د. سمير الشاعر، ص:169.
(25 ) فقه الزكاة للدكتور القرضاوي، ص:719.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *