المدرس من وجهة نظر ابن تيمية محمد الناجي

سطر الفقهاء المسلمون صفحات مشرقة في الميدان التربوي والتعليمي، فقد تركوا إشارات فريدة وآراء متقدمة في هذا المجال، مما يعكس أصالة منهجهم المعرفي وقوة التزامهم المرجعي.
وقد أولوا مكانة متميزة للمتعلم في كتاباتهم، اهتموا بخصائصه وحاجاته وأحواله، تحدثوا عن آداب وأخلاق المعلم، كما تطرقوا لمكونات المنهاج الدراسي، ومكانة القيم في المنظومة التربوية.
اعتمد العلماء المسلمون على مصادر التشريع الإسلامي لاستنباط الفوائد والعبر التربوية وخدمة العلم والتعلم في إطار مقاصد الشريعة.
لذلك ينبغي للدوائر التربوية في البلدان الإسلامية عدم إقصاء التراث الذي تركوه عند التخطيط والتنظير في هذا المجال الحيوي لصنع التنمية المنشودة التي ترتكز على تأهيل الإنسان بمناهج وبرامج راقية؛ تدعم التفكير وتحفز على الإنتاج المعرفي.
من بين الفقهاء الذين كان لهم دور بارز في تاريخ الأمة الإسلامية نذكر ابن تيمية، ويشير بعض الباحثين إلى أن الانفعالات غير المنصفة للمستشرقين أمثال جولدزيهر ودونكان تجاه ابن تيمية لم تمنع من ظهور كتابات غربية قدرت ابن تيمية واحترمت مكانته العلمية، فقد وصف في بعضها بـ”شخصية الإسلام الجبارة”.
تحدث ابن تيمية عن أخلاقيات المعلم وما ينبغي أن يتحلى به من قيم ومبادئ تؤهله لأداء مهمته. فإذا كانت أدبيات مجتمع المعرفة تعتمد على الحاجة إلى العمل في فريق؛ وخلق منظمات التعلم حيث يتفاعل الأفراد فيما بينهم و يعملون كفريق ضمن مؤسسة؛ ويشعرون بالانتماء إليها، فإن ابن تيمية يشير إلى أهمية التعاون والتنسيق بين المعلمين، فيقول: “على المعلمين أن يكونوا متعاونين على البر والتقوى”؛ وهم بذلك يتبادلون الخبرات والتوجيهات ويستحضرون القيم المنشودة من التعليم، ويصححون الأخطاء والانحرافات السلوكية المرصودة في الفضاء التعليمي التعلمي.
ثم ينصح ابن تيمية المعلم بالتحلي بخصلة الصدق والإخلاص في تبليغ العلم والبعد عن اتباع الهوى نظرا لمكانة الرسالة النبيلة التي يؤديها، فيذكر أن “كذبهم في العلم من أعظم الظلم”. وفي الحث على اجتهاد المدرس في تطوير صنعته التربوية وتحفيز المتعلم وخلق الدافعية لديه للطلب يقول ابن تيمية: “وعلى المعلم أن ينصح للمتعلم ويجتهد في تعليمه”.
ولم يهمل ابن تيمية العلاقات داخل الفضاء التربوي، فأشار إلى ضرورة التحلي بسلوكات الاحترام والتعاون ونبذ التطاول والأذية، قائلا: “وليس لأحد من المعلمين أن يعتدي على الآخر، ولا يؤذيه بقول ولا فعل بغير حق”، إذ المدرس قدوة للمتعلم في الأخلاق والسلوك.
وفي تنبيه على التجرد للحق في تبليغ العلم والنأي عن التعصب والتحزب يقول: “وليس للمعلمين أن يحزبوا الناس ويفعلوا ما يلقي بينهم العداوة والبغاء”. فيكون حرصهم على التوجيه والإرشاد للمتعلم.
هذه بعض الإطلالات على الجانب التربوي التعليمي عند ابن تيمية، الذي اعتنى به بعض الباحثين في تأليفات مستقلة، فحري بالممارسين التربويين الاستفادة منه لتطوير كفاياتهم التربوية.
ـــــــــــــــــــ
المراجع :
الفكر التربوي عند ابن تيمية، ماجد عرسان الكيلاني.
الأهداف التربوية السلوكية عند شيخ الأسلام ابن تيمية؛ فوزية خياط.
مجموع فتاوى ابن تيمية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *