يأسف المرء عندما يرى مدى تدني مستوى النخبة السياسية التي يعول عليها المغاربة في وضع السياسات والبرامج لإخراجهم من الظلمات السوداء والمدلهمات القاتمة، التي أصبح شبابه وشيبه معها في منتهى التيه والحيرة.
ويخيب أمله عندما يرى برلمانيا يتقاضى المبالغ الطائلة من خزينة الدولة، ليُعمِل فكره ويجهد قوته للذب عن دين الإسلام الذي هو دين منتخِبيه ومن أنابوه عنهم للدفاع عن هويتهم، ينبري لنشر كل ما يحارب تاريخهم وأمتهم ودينهم.
ولعل البرلماني “عبد القادر البنة” خير من يمثل هذا الصنف فهو اشتراكي يدعو فيما يكتبه إلى التنوير والانفتاح والبحث والنقد إلا أن الباحث المتتبع لما يخطه يكتشف دونما عناء أن الرجل يقتات على ما بَلِيَ من شبهات المستشرقين، وما سبق أن اجترَّه الماركسيون المشارقة، زاعما أنه يسهم في قراءة جديدة للتراث، مستهزئً بالقرآن مُجَهِّلا لعلماء الأمة متنقصا من تاريخها ودينها.
يدَّعي رفع لواء النقد، فلما انتقده خطيب مسجد قرية “ابا محمد” عند تنقصه من القرآن الكريم وتهكمه على آياته، أقام الدنيا ولم يقعدها، مستغلا منصبه في إذلال الخطيب وتهديده، محركا للسلطة المحلية، ولم ينته حتى قصد وزارة الأوقاف مزبدا مرغيا لا لشيء إلا لأن جنابه انتقِد.
قصة البرلماني عبد القادر البنة مع جريدة السبيل
بدأت القصة عندما قام هذا البرلماني نائب الأمة الساهر على مصالحها! بنشر مقال تحت عنوان: “عندما تكذب أمة على نفسها” حيث قال معددا كذب الأمة:
“الكذبة الأولى: أن الإسلام هو الدين الوحيد عند الله ومن يبتغي غيره فلن يقبل منه، فإما مسلم وأنت أقرب إلى الله، وإما كافر وأنت عدو له وللإسلام.
… الكذبة الرابعة: أن الإسلام دين الرحمة والرأفة، والحال أن فقهنا يقر بقتل المرتد، ورجم الزاني، وجلد السكير وشاهد الزور، وقطع يد السارق، وقطع الأرجل خلافا لمن أفسد في الأرض، والإعدام في القصاص.
الحقيقة هي أن حدود شريعتنا ليست سمحاء، إنها دموية.
وعلينا أن نعترف بذلك لأنها تشوه الإسلام، وتشوه الإنسان، وتتنافى مع أبسط مبادئ حقوق الإنسان.
الكذبة الخامسة: إن كل ما حرمته علينا شريعتنا هو خير لنا، لقد حرمت علينا شريعتنا الفائدة وهي طريق الادخار، ..وحرمت علينا “الحلوفة” وقد تلد ما يفوق 15 “حليليف” يفوق وزن الواحد منها عند سن الرشد 200 كيلو غرام في أسوأ الأحوال، والحال أنه لحد الساعة لم يُثبت العلم أن أكل لحم الخنزير مضر بالصحة.
..وكيف أن الخمر حرم علينا في الدنيا، وتجري به الأنهار في الجنة، فكيف به يكون مفسدة في الدنيا ونعمة في الجنة.
الحقيقة: أننا محتاجون إلى اجتهادات جديدة، وجريئة، لتطاوع شريعتنا معطيات العصر، ومتطلبات التطور”انتهى كلامه.
أمام عدوانِه هذا الذي لم يترك من الإسلام شيئا إلا نال منه، قامت “جريدة السبيل” بالرد عليه دفاعا عن الخطيب الذي انتقده، وتحسيسا لمن يهمهم الأمر بخطر ما تنشره وسائل الإعلام العلمانية في مجتمعنا المسلم.
فكان رد “السبيل” عليه في الفاتح من شهر يوليوز 2006 ومنذ تسعة أشهر وهو يدرس ويتابع “السبيل” ليخرج أخيرا على القراء بمقال بـ”جريدة الأحداث” بتاريخ 15 مارس 2007، عنونه بالسباب والقذع، ودبج موضوعه بالشتم والكذب والبهتان وختمه بالنبز واللمز، لم يأت ولو بنقل واحد ليستدل به على اتهاماته.
عنون “البنة” مقاله هذا بـ “عن أبناء السبيل”.
واستهله بوصفه لكتاب جريدة “السبيل” بعبارات مافتئ العلمانيون ومنهم كتاب “الأحداث المغربية” يصفون بها من يخالفهم أو ينتقدهم بكونه يحرض على القتل والإرهاب حيث قال: “أبناء السبيل هم قوم أصدروا ما يسمونه جريدة (شهرية أسبوعية) متخصصة في التحريض على قتل وسفك دماء كل من يعتبرونه علمانيا أو ديمقراطيا واشتراكيا مستغلين في ذلك هامش الديمقراطية التي تنعم به البلاد”.
وقال: “..والحال أنهم تخصصوا فقط في توزيع فتاوى التكفير ومحاربة سلطة التفكير”.
لا أحب أن أعلق على كلامه هذا فالمُطلع على ما تنشره “السبيل” يعرف جيدا أنها لا تكفر أحدا، بل تحذر من التكفير إلا أنها كذلك تفضح من ينشر ما درجت الأمة تعتبره زندقة وخروجا عن الدين، ونتحدى “البنة” أن يعرض كلامه على كتاب “الشفا” للقاضي عياض وهو من العلماء المعتبرين عبر القرون عند المغاربة حكاما وعلماء وعواما، وكتابه من المراجع المقبولة المرضية عندهم.
إلا أنني أعتقد جازما أن برلماني الاتحاد الاشتراكي هذا، لن يقبل التحدي لكونه لا يقيم وزنا للقرآن الكريم كتاب الله تعالى وهذا ظاهر في كلامه أعلاه، فكيف بكتاب أحد علماء المالكية المسلمين؟
عبد القادر البنة وعلماء الإسلام
ويستمر “البنة” في سبابه لجريدة السبيل واصفا كتابها بقوله: “..فعطلوا عقولهم إن كانت لهم عقول، واستراحوا إلى النقل، يخبطون فيه خبط عشواء، تصيب كل من خالفهم الرأي، يستنجدون تارة بالشافعي وتارة بمسلم وأخرى بابن حنبل، لا يستقر لهم أمر..”.
يا ترى بكلام من يريدنا هذا الاشتراكي أن نستشهد على صحة فهمنا للدين؟
أيريدنا أن نترك كلام الإمام الشافعي والإمام مسلم والإمام ابن حنبل ونجتر مثله كلام “ماركس” و”لينين” أم يقترح علينا أن نردد كلام من يلوكون أقوال المستشرقين الصليبيين وشبهاتهم من أمثال “القمني” و”العفيف الأخضر” و”سلمان رشدي” و”أركون” و”نصر حامد أبي زيد”، و”شاكر النابلسي” وغيرهم ممن لا تفتأ جريدة “الأحداث” عن نشر سمومهم في المغاربة.
عبد القادر “البنة” وعذاب القبر
يقول هذا البرلماني المسكين وهو ينتقد كتاب “السبيل” وينقم عليهم تبنِّيهم العسر في الدين وتنصلهم من يسره، فيا ترى أين اكتشف هذا العبقري تشدد أبناء السبيل كما وصفهم؟
سيخبرنا هو بنفسه قائلا عنهم: “قوم تبنوا العسر في الدين، وتنصلوا من يسره، يرعبون الناس بعذاب القبر، ويرهبونهم بلهيب جهنم ويخيفونهم بموقف الحشر”.
أنا لن أرمي “البنة” بالكفر كما أتهمنا بالتكفير والتحريض على القتل، فهذا اختصاص المجالس العلمية التي إنما أنشئت للذب عن عقائد المغاربة وحماية دينهم من عبث أمثال “البنة” لا للاكتفاء بالرد على فتوى القرضاوي.
كما لن أتهمه بالجهل العظيم بالدين وكونه لا يعلم أن عذاب القبر وجهنم والحشر هي من عقائد المسلمين التي لا نقاش فيها بين أهل الإسلام.
لكن الذي أرجحه هو أن نائب الأمة! قد أوصله بحثه العلمي ونقده للإسلام والتراث ولعقول العلماء أمثال الإمام الشافعي والإمام مسلم والإمام ابن حنبل إلى استحالة وجود القبر وجهنم والحشر وأنها من جملة الكذب الذي اعتادت أمتنا أن تفتريه على نفسها؟
فالقبر وجهنم والحشر هي أمور غيبية يعتبرها أمثال “البنة” من الأشياء التي لا يمكن أن تخضع للتجربة والاختبار، وبالتالي هي من قبيل “الميتافيزيقا” التي لا حاجة للناس بها، إذا كانوا ينشدون مجتمعا حداثيا متنورا يطمح إلى مستقبل ملؤه التقدم والثراء والرفاه.
وإلا لماذا يخاف العلمانيون من تذكير الناس بآخرتهم التي من أجلها خلقوا؟
ولماذا يغضبون من ذكر القبر والحشر وعذاب جهنم وما ينتظر من لا يستقيم في هذه الدنيا على ما أمر الله به ورسوله صلى الله عليه وسلم ؟
ترى ألم يمر “البنة” وهو يبحث في تراث الأمة عن مثل هذا الأثر: “كان عثمان رضي الله عنه إذا وقف على قبر يبكى حتى يبل لحيته، فقيل له: تذكر الجنة والنار فلا تبكي، وتبكي من هذا! فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: (القبر أول منازل الآخرة، فإن ينج منه فما بعده أيسرُ منه، وإن لم ينج منه فما بعده أشدُّ منه. قال: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والله ما رأيت منظرا قط إلا والقبر أفظع منه) (1).
عبد القادر البنة والحوار
صرح المتخصص في أمراض القلوب!! “عبد القادر البنة” أن كُتاب “السبيل” أصابهم مرض التعصب وهو الذي منعهم طعم الحوار فقال: “..تراهم يرتدون جلباب التقية والورع وقد تحجرت قلوبهم وضاقت صدورهم وجفت عقولهم سكنهم مرض التعصب فمنعهم طعم الحوار”.
وقال أيضا: “قوم فقدوا كل مكارم الأخلاق وأضاعوا كل تعاليم الكرامة تبرأت منهم الصراحة، وامتهنوا النفاق، أعجزهم العلم فتوسلوا إلى الجهل، وخذلتهم الشجاعة، تسلحوا بالجبن وإن خانتهم الحجة والدليل، استفاضوا في مدح البلادة وأطنبوا في الهراء وتغنوا بالغباء”.
ونسأل هذا البرلماني الذي يعتبر نفسه داعية إلى الانفتاح والحوار وقبول الآخر هل كلامه هذا وهو يرد على مواقف وقناعات وآراء، يمت إلى الحوار بصلة؟
إن “البنة” هو نموذج الإنسان العلماني، وأفكاره وخلاصات بحثه هي ما يطالبنا بنو علمان أن نعتقده بدل ما نزل به جبريل عليه السلام من رب العالمين على محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وبعد هذا يقول العلمانيون بكل صفاقة إن العلمانية ليست ضد الدين.
فمتى تقوم المجالس العلمية ووزارة الأوقاف بما تمليه مسؤوليتهما تجاه حرب العلمانيين للإسلام والعقيدة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
– (1) رواه أحمد والترمذي وحسنه الشيخ الألباني .