سلسلة شرح أسماء الله الحسنى اسم الله تعالى البصير ناصر عبد الغفور

التعبد لله تعالى باسمه البصير أن نعلم أنه جل جلاله يرانا ويرى أعمالنا لا تخفى عنه خافية سبحانه، يرانا في السر والعلن، في السفر والحضر، وهذا يجب أن يورث العبد مراقبته سبحانه في الحركات والسكنات، في أعمال الجوارح بل حتى في أعمال القلوب والخطرات. فلا يأتي محرما ولا يرائي في عمل ولا يكن حسدا على إخوانه أوغلا… “ومن علم أن ربه مطلع عليه استحى أن يراه على معصية أو فيما لا يحب. ومن علم أنه يراه أحسن عمله وعابدته وأخلص فيها لربه وخشع”([1]).

ولنستحضر دائما قول جبريل عليه السلام في تفسير أعلى مرتبة من مراتب الدين وهي الإحسان: “أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك”-رواه مسلم-، يقول الإمام النووي رحمه الله تعالى في شرحه لهذه الحديث:

“هذا من جوامع الكلم التي أوتيها صلى الله عليه وسلم لأنا لو قدرنا أن أحدنا قام في عبادة وهو يعاين ربه سبحانه وتعالى لم يترك شيئا مما يقدر عليه من الخضوع والخشوع وحسن السمت واجتماعه بظاهره وباطنه على الاعتناء بتتميمها على أحسن وجوهها الا أتى به فقال صلى الله عليه و سلم اعبد الله في جميع أحوالك كعبادتك في حال العيان فان التتميم المذكور في حال العيان انما كان لعلم العبد باطلاع الله سبحانه وتعالى عليه فلا يقدم العبد على تقصير في هذا الحال للاطلاع عليه وهذا المعنى موجود مع عدم رؤية العبد فينبغي أن يعمل بمقتضاه فمقصود الكلام الحث على الاخلاص في العبادة ومراقبة العبد ربه تبارك وتعالى فى اتمام الخشوع والخضوع وغير ذلك وقد ندب أهل الحقائق إلى مجالسة الصالحين ليكون ذلك مانعا من تلبسه بشيء من النقائص احتراما لهم واستحياء منهم فكيف بمن لا يزال الله تعالى مطلعا عليه في سره وعلانيته” -شرح مسلم:1/157-158-.

يقول الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: “فلكل صفة عبودية خاصة هي من موجباتها ومقتضياتها أعنى من موجبات العلم بها والتحقق بمعرفتها وهذا مطرد في جميع أنواع العبودية التي على القلب والجوارح فعلم العبد بتفرد الرب تعالى بالضر والنفع والعطاء والمنع والخلق والرزق والإحياء والإماتة يثمر له عبودية التوكل عليه باطنا ولوازم التوكل وثمراته ظاهرا وعلمه بسمعه تعالى وبصره وعلمه وأنه لا يخفى عليه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض وأنه يعلم السر وأخفى ويعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور يثمر له حفظ لسانه وجوارحه وخطرات قلبه عن كل مالا يرضى الله وأن يجعل تعلق هذه الأعضاء بما يحبه الله ويرضاه فيثمر له ذلك الحياء باطنا ويثمر له الحياء اجتناب المحرمات والقبائح.”([2]).

فمراقبة العبد لربه وعلمه بأنه بصير به يورثه الاستحياء منه سبحانه، لأنه يعلم أن الله تعالى يراه فيستحيي أن يراه على حال لا ترضيه جل في علاه، ولله در القائل:

إذا ما دعتك النفس يوما إلى ريبة * والنفس داعية إلى العصيان.

فاستحي من نظر الإله وقل لهـــــــا * إن الذي خلق الظلام يراني.

قال الإمام ابن رجب رحمه الله تعالى:” راود رجل امرأة في فلاة ليلا فأبت فقال لها ما يرانا إلا الكواكب قالت فأين مكوكبها.

وأكره رجل امرأة على نفسها وأمرها بغلق الأبواب فقال لها هل بقي باب لم يغلق قالت نعم الباب الذي بيننا وبين الله تعالى فلم يتعرض لها.”([3]).

ومما يروى أن الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى مر على رجل فسمعه يقول:

إِذَا مَا خَلَوْتَ الدَّهْرَ يَوْمًا فَلا تَقُلْ … خَلَوْتُ وَلَكِنْ قُلْ عَلَيَّ رَقِيْبُ

وَلَا تَحْسَبَنَّ اللهَ يَغْفَلُ سَاعَــةً     وَلا أَنَّ مَا يَخْفَى عَلَيْهِ يَغِيـــــــــبُ

فبكى رحمه الله تعالى وسمع وهو يرددها.

يقول الإمام الغزالي رحمه الله تعالى:

“حظ العبد من حيث الحس من وصف البصر ظاهر ولكنه ضعيف قاصر إذ لا يمتد إلى ما بعد… وإنما حظه الديني منه أمران:

أحدهما: أن يعلم أنه خلق له البصر لينظر إلى الآيات وإلى عجائب الملكوت والسموات فلا يكون نظره إلا عبرة، قيل لعيسى عليه السلام هل أحد من الخلق مثلك فقال من كان نظره عبرة وصمته فكرة وكلامه ذكرا فهو مثلي.

والثاني: أن يعلم أنه بمرأى من الله عز و جل ومسمع فلا يستهين بنظره إليه واطلاعه عليه ومن أخفى عن غير الله ما لا يخفيه عن الله فقد استهان بنظر الله عز و جل، والمراقبة إحدى ثمرات الإيمان بهذه الصفة فمن قارف معصية وهو يعلم أن الله عز و جل يراه فما أجسره وما أخسره ومن ظن أن الله تعالى لا يراه فما أظلمه وأكفره”([4]).

—————————————

 (1) النهج الأسمى:166.

([2]) مفتاح دار السعادة:2/90.

) كلمة الإخلاص وتحقيق معناها:49.[3](

)- المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى:91-92.[4] (

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *