سياسات منظمات العولمة الاقتصادية لمعالجة العجز في ميزان المدفوعات:
ميزان المدفوعات هو بيان إحصائي تسجل فيه معاملات الدولة المالية بين المقيمين فيها والمقيمين في غيرها من دول العالم لفترة زمنية معينة تُقدَّر عادةً بسنة.
وينقسم ميزان المدفوعات إلى قسمين رئيسين:
1 ـ الحساب الجاري: ويبين صادرات الدولة ووارداتها من السلع والخدمات، ويشمل ما يلي:
أ ـ الميزان التجاري: ويبين الصادرات والواردات السلعية، ويسمى حساب التجارة المنظورة.
ب ـ حساب الخدمات: ويبين الخدمات المختلفة من وإلى البلد، كالشحن والسياحة والخدمات المصرفية، ويسمى حساب التجارة غير المنظورة.
ج ـ حساب التحويلات: ويبين تحويلات العاملين، وعوائد الاستثمار، من وإلى البلد.
2 ـ حساب رأس المال: ويبين تحركات رؤوس الأموال من الدولة وإليها، ويشمل ما يلي:
أ ـ الاستثمارات والقروض من وإلى البلد.
ب ـ احتياطات الدولة من وسائل الدفع التي تسوى بها التزامات الدولة مع الدول الأخر، مثل: الذهب، والعملات الصعبة، وحقوق السحب الخاصة، من وإلى البلد أيضاً.
وأهــم سـياسات منظمات العولمة الاقتصادية المقترحة لمعالجة العجز في ميزان المدفوعات هي:
أولاً: تخفيض قيمة العملة المحلية:
قيمة العملة: “مقدار الأشياء عامة التي يمكن مبادلتها بوحدة النقود”.
ويطالب خبراء الصندوق بتخفيض قيمتها، بدعوى أن الدول النامية تضع لعملاتها أسعاراً مبالغاً فيها.
وحجة خبراء الصندوق أن تخفيض قيمة العملة المحلية يعني أن ثمن العملات الأجنبية مقوّمة بالنقد المحلي يصبح مرتفعاً، مما يجعل أسعار الواردات من السلع الأجنبية مرتفعة مقوّمة بالأسعار المحلية، وهذا يقلِّل من الطلب المحلي عليها، فتكون النتيجة النهائية لقرار تخفيض العملة المحلية هي زيادة الصادرات وانخفاض الواردات، مما يعني تضييق الفجوة أو العجز في الميزان التجاري، ومن ثم الحساب الجاري، فيتحسن وضع ميزان المدفوعات.
ثانياً: إلغاء الرَّقابة على سوق الصَّرف الأجنبي:
سوق الصَّرف الأجنبي هي: سوق تتداول فيها أوراق مالية قصيرة الأجل، مثل: أذونات الخزانة وهي أدوات الدَّين قصيرة الأجل التي تصدرها الحكومة من أجل سدِّ العجز في موازنتها، كما تشمل العملات العالمية، وتفرض الدول النامية رقابة على الصَّرف الأجنبي لما يلي:
1 – للاستفادة من العملات الصعبة في دفع فاتورة الاستيراد، وقضاء الديون الخارجية.
2 – تحسين وضع ميزان المدفوعات بالحدِّ من الواردات وبخاصة الاستهلاكية الكمالية.
3 ـ حماية الصناعة المحلية وبرامج التنمية المحلية.
4 – المحافظة على استقرار أسعار الصرف، ومنع المضاربة على العملة.
وقد فرضت الدول النامية نظاماً رقابياً على سوق الصرف واشترطت موافقة سلطات الرقابة في الدولة على المعاملات الاقتصادية والمالية مع الدول الأخر، متَّبعة الوسائل التالية:
1 ـ بيع العملات الأجنبية جميعها لسلطات الرقابة، كما يشترى منها المتطلبات من الصَّرف الأجنبي، ويسمح أحياناً لبعض المعاملات أن تجري في السوق الحرة، لكنها معاملات قليلة.
2 ـ جعل سعر صرف العملة المحلية الرسمي مثبتاً، إلا في حالات المعاملات التي تجري في قطاع السوق الحرة إن وجدت، ويكون السعر الرسمي للعملة المحلية عادة أعلى من سعر السوق.
3 ـ إلزام المصدّريـن ومـن يحصـلون على عـملات أجنـبية أو سندات أو أسهم مقوّمة بعملات أجنبية عند بيعها على البنك المركزي بالسعر الرسمي للعملة المحلية.
4 – لا تحوّل رؤوس الأموال المودعة بالمصارف إلا بعد استئذان الجهات المختصة، وتضع الدولة حدوداً للأموال التي يسمح للأفراد حملها معهم عند خروجهم من الدولة، كما تحدد الأموال التي يسمح للأفراد إدخالها معهم.
ويوصي خبراء الصندوق والبنك بإلغاء الرقابة على الصرف الأجنبي أو تقليصها إلى أدنى الحدود، بحيث يكون تحويل الأموال من وإلى البلد دون قيود؛ مع إيجاد سوق حرة للنقد الأجنبي، مما يحقق المزايا التالية:
1 – تمويل عجز الموازنة العامة للحكومة بأدوات السوق المفتوحة، دون اللجوء إلى زيادة العرض النقدي الذي يؤدي إلى التضخم.
2 ـ ممارسة السياسة النقدية من خلال السوق المفتوحة.
3 ـ تهيئة مصادر أموال بالنسبة إلى الشركات والبنوك، وإمكانية إصدار أوراق تجارية قصيرة الأجل.
ثالثاً: تحرير الاستيراد من القيود وفتح الأسواق:
تطالب منظمات العولمة الاقتصادية بتحرير الاستيراد من القيود؛ وأهمّ ما تطالب به هذه المنظمات بالنسبة إلى تلك القيود:
1 ـ إلغاء قيود الاستيراد الكمية:
تفرض الدول النامية قيوداً كمية على الواردات من أجل حماية الصناعة المحلية وتخفيض العجز في ميزان المدفوعات، ومن هذه القيود الكمية ما يلي:
أ – الطلب من المستوردين الحصول على تراخيص لاستيراد السلع.
ب ـ تقييد الاستيراد بكمية معينة وهو ما يسمى بنظام الحصص.
ج ـ منع استيراد بعض السلع منعاً باتاً.
وتطالب منظمات العولمة الاقتصادية بإلغاء هذه القيود، وغيرها من القيود المعرقلة للتجارة الدولية.
2 ـ تخفيض الرسوم الجمركية:
الرسوم الجمركية هي الأموال التي تفرض على السلع المستوردة وتُحصَّل عند دخول تلك السلع إلى موانئ الدولة المستورِدة.
ويهدف فرض الرسوم الجمركية إلى تحقيق ما يلي:
أ ـ حماية الصناعات المحلية وبخاصة حديثة النشأة من المنافسة الخارجية في السوق الداخلي.
ب ـ الحدّ من الاستهلاك وبخاصة استهلاك السلع.
ج ـ تحقيق التوازن في ميزان المدفوعات.
د ـ تحقيق موارد للدولة.
ويتطلب تحرير الاستيراد من القيود ـ في نظر خبراء الصندوق ـ الأخذ بالإجراءات التالية:
أ – توحيد هيكل الرسوم الجمركية وتسهيله، وترشيد منح الإعفاءات الضريبية، وجعل الرسوم على عدد محدد من السلع.
ب ـ فرض حدٍّ أدنى من الرسوم الجمركية على الواردات اللازمة لتنشيط إنتاجية قطاع التصدير، إضافة إلى التخلِّي عن نظام حصص الاستيراد، والتحول التدريجي إلى نظام التراخيص الحرّ، لتخفيف قيود الاستيراد.
ج – عدم المبالغة في الرسوم الجمركية على المحاصيل والمنتجات الزراعية الأجنبية.
د ـ عدم المبالغة في سعر الصرف.
3 ـ فتح الأسواق:
هذا المبدأ هدفت إلى تحقيقه سياسات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وشجعت الدول على الاتجاه نحوه، وعندما أنشئت منظمة التجارة العالمية اهتمت بهذا المبدأ أو الهدف اهتماماً كبيراً، وجعلته محور مبادئها التجارية، على نحو يتكامل وسياسات المنظمتين السابقتين ولا يعارضهما، ويمكن إجمال أهم مبادئ المنظمة وقواعدها في هذا المجال على النحو التالي:
أ ـ مبدأ الشفافية:
ويقصد به: نشــر المعلومـات المتعلقة بالاتفاقيات والقوانـين واللوائح الوطنية، والممارسات الشائعة التي قد تضـرّ بالتجـارة الـدولية.
فهذا المبدأ يطالب بأهمية اتِّباع البلدان الأعضاء سياسات تجارية تحررية مفتوحة، ولكنه يتيح لها حماية إنتاجها الوطني من المنافسة الأجنبية، بفرض الرسوم الجمركية لكن بمعدلات منخفضة. غير أن هذا المبدأ يخضع لاستثناءات محددة، منها: استثناء البلدان التي تعاني مصاعب في ميزان مدفوعاتها، بالحدِّ من الواردات بغية حماية مركزها المالي الخارجي، باستعمال القيود الكمية على الواردات، إذا كانت هذه القيود ضرورية لتفادي الهبوط الحادّ في احتياطاتها النقدية، أو تواجه تدفّقاً مفاجئاً أو ضخماً من سلع مستوردة معينة، على نحو يلحق ضرراً بالغاً بالمنتجين المحليين لهذه السلع، أو يهدّد بوقوع مثل هذا الضرر. ويشترط أن يتبع هذا الإجراء الوقائي، لحماية الصناعة المحلية التي لا تقدر على المنافسة، لاكتساب هذه القدرة، وإعطائها فرص