خلق الله الإنسان، وأسكنه في الأرض ولم يتركه سدىً بل أوجد له ما يحتاجه من طعام وشراب ولباس وأنزل عليه في مختلف العصور منهجاً يسير على هديه، وصلاح البشرية وسعادتها في كل زمان ومكان إنما يكون باتباع منهج الله وطرح ما سواه (وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون) الأنعام/153.
والإسلام آخر الأديان السماوية والقرآن آخر الكتب السماوية ومحمد صلى الله عليه وسلم آخر الأنبياء والرسل وقد أمره الله أن يبلغ هذا الدين إلى الناس كافة: (وأوحى إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ) الأنعام/18.
وقد أرسل الله رسوله محمد صلى الله عليه وسلم بالإسلام إلى الناس جميعاً كما قال سبحانه: (قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً) الأعراف/158.
والدعوة إلى الإسلام هي أفضل الأعمال، لما فيها من هداية الناس إلى الصراط المستقيم وإرشادهم إلى ما يسعدهم في الدنيا والآخرة (ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين) فصلت/33.
والدعوة إلى الإسلام رسالة شريفة وهي وظيفة الأنبياء والرسل وقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم أن رسالته في الحياة، ورسالة أتباعه هي الدعوة إلى الله، قال تعالى: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) يوسف/108.
والمسلمون عامة والعلماء خاصة، مأمورون بالدعوة إلى الإسلام، كما قال سبحانه: (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون) آل عمران/104.
وقال عليه الصلاة والسلام: (بلغوا عني ولو آية) البخاري/3461.
والدعوة إلى الله رسالة عظيمة ومهمة جليلة إذ هي دعوة الناس إلى عبادة الله وحده ونقلهم من الظلمات إلى النور وزرع الخير مكان الشر والحق مكان الباطل، لذا يحتاج من يقوم بها إلى العلم والفقه والصبر والحلم واللين والرفق وبذل المال والنفس ومعرفة الأحوال والعادات. قال تعالى: (ادع إلى سيبل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين) النحل/125.
وقد امتن الله على رسوله بقوله: (فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر) آل عمران/159.
والداعية قد يتعرض في دعوته إلى للجدل، وخاصة مع أهل الكتاب وقد أمرنا الله حين يصل الأمر إلى الجدال، أن نجادل بالتي هي أحسن وذلك بالرفق واللين وعرض مبادئ الإسلام كما جاءت نقية صافية بلطف بلا إكراه كما قال تعالى: (ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون) العنكبوت/46.
وللدعوة إلى الله فضل عظيم وأجر جزيل قال عليه الصلاة والسلام: (من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم، مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً) رواه مسلم/2674.
وإذا كان البناء المادي يحتاج إلى جهد وصبر حتى يكتمل فإن بناء النفوس، وحملها على الحق، يحتاج إلى الصبر والتضحية وقد دعا الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام، فصبر على أذى الكفار، واليهود، والمنافقين فقد استهزءوا به وكذبوه، وآذوه ورموه بالحجارة وقالوا أنه ساحر أو مجنون واتهموه بأنه شاعر أو كاهن فصبر عليه الصلاة والسلام على كل هذا حتى نصره الله، وأظهر دينه فعلى الداعية أن يقتدي به (فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون) الروم/60.
فالواجب على المسلم الاقتداء برسولنا الكريم -صلى الله عليه وسلم-، والسير على هديه والدعوة إلى الإسلام والصبر على الأذى في سيبل الله، (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كانوا يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً) الأحزاب/21.
ولا صلاح ولا سعادة للأمة إلا باتباع هذا الدين ولذلك أمر الله بإبلاغه للناس كافة كما قال سبحانه: (هذا بلاغ للناس ولينذروا به وليعلموا أنما هو إله واحد وليذكر أولوا الألباب) إبراهيم/52.