آيات تفهم على غير وجهها سورة الكهف -2- إبراهيم الصغير

– قوله تعالى: {وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَت تَّقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ} (الآية: 17).
نجد هنا {تزاور} غير واضحة المعنى.
قال الطبري: «يقول تعالى ذكره {وَتَرَى الشَّمْسَ} يا محمد {إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ} يعني بقوله {تَزَاوَرُ}: تعدل وتميل، من الزور: وهو العوج والميل، يقال منه: في هذه الأرض زَوَر: إذا كان فيها اعوجاج، وفي فلان عن فلان ازورار: إذا كان فيه عنه إعراض؛ ونقل عن سعيد بن جبير وعبد الله ابن عباس رضي الله عنهما: {إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ}: تميل عن كهفهم يمينا وشمالا».
قال القرطبي: «قوله تعالى: {وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ} أي ترى أيها المخاطب الشمس عند طلوعها تميل عن كهفهم؛ والمعنى: إنك لو رأيتهم لرأيتهم كذا، لا أن المخاطب رآهم على التحقيق؛ تتزاور: تتنحى وتميل، من الازورار، والزور الميل، والأزور في العين المائل النظر إلى ناحية ويستعمل في غير العين».
– قوله تعالى: {فَابْعَثُوا أَحَدَكُم بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ} (الآية: 19).
{بِوَرِقِكُمْ} الورٍق بكسر الراء الفضة.
قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي: «والورق -بفتح الواو وكسر الراء-: الفضة، وكذلك قرأه الجمهور، ويقال وَرْق -بفتح الواو وسكون الراء- وبذلك قرأ أبو عمرو وحمزة وأبو بكر عن عاصم، وروح عن يعقوب وخلف؛ والمراد بالورق هنا القطعة المسكوكة من الفضة، وهي الدراهم، قيل: كانت من دراهم «دقيوس» سلطان الروم».
قال ابن عباس: «كان معهم دراهم عليها صورة الملك الذي كان في زمانهم».
قال ابن قتيبة: «الوَرِق: الفضة، دراهم كانت أو غير دراهم».
– قوله تعالى: {وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً} (الآية: 45).
قيل الباقيات الصالحات ما يأتي به المسلمون من الصَّلوات والأذكار والأعمال الصالحة التي تبقى حسناتها بعد موت أصاحبها جارية.
قال القرطبي: «واختلف العلماء في «الباقيات الصالحات»، فقال ابن عباس وابن جبير وأبو ميسرة وعمرو ابن شرحبيل: هي الصلوات الخمس؛ وعن ابن عباس أيضا: إنها كل عمل صالح من قول أو فعل يبقى للآخرة؛ وقاله ابن زيد ورجحه الطبري، وهو الصحيح إن شاء الله، لأن كل ما بقي ثوابه جاز أن يقال له هذا».
وقال الجمهور: هي الكلمات المأثور فضلها: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
والذي يتضح أنها تطلق على كل عمل صالح اجتمع فيه شرطا قبول العمل وهما: الإخلاص لله، وموافقة شريعة محمد صلى الله عليه وسلم، ويبقى ثوابه للآخرة.
– قوله تعالى: {وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُم مُّوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفاً} (الآية: 53).
{فَظَنُّوا} الظن هنا بمعنى اليقين.
فالظن عند الأصوليين هو ما احتمل أمرين يكون أحدهما أرجح من الآخر.
أما في اللغة فيطلق مرادا به اليقين، ليكون بذلك المعنى اللغوي أعم من الاصطلاحي.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: «قوله تعالى: {الذين يظنون} أي يتيقنون، والظن يستعمل في اللغة العربية بمعنى اليقين، وله أمثلة كثيرة، منها قول الله تبارك وتعالى: {حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّواْ أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ اللّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ} (التوبة: 118)».
قال الشوكاني: «والظن هنا عند الجمهور بمعنى اليقين، ومنه قوله تعالى: {إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ} (الحاقة: 20)».
وقال العلامة محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله: «ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أن المجرمين يرون النار يوم القيامة، ويظنون أنهم مواقعوها، أي: مخالطوها وواقعون فيها.
والظن في هذه الآية بمعنى اليقين، لأنهم أبصروا الحقائق وشاهدوا الواقع».
فهذا الظن عند جمهور المفسرين: بمعنى اليقين، فأيقنوا أنهم داخلوها.
– قوله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُم مِّنْهُ ذِكْراً} (الآية: 83).
{ذِي الْقَرْنَيْنِ} لا تعني أنه كان له قرنان في رأسه كما يتبادر إلى الذهن.
قال العلامة الشوكاني: «وأما السبب الذي لأجله سمي ذا القرنين، فقال الزجاج والأزهري: إنما سمي ذا القرنين، لأنه بلغ قرن الشمس من مطلعها، وقرن الشمس من مغربها، وقيل: إنه كان له ضفيرتان من شعر، والضفائر تسمى قرونا».
قال ابن كثير: «وقال وهب بن منبه: كان ملكا، وإنما سمي ذا القرنين لأن صفحتي رأسه كانتا من نحاس، قال: وقال بعض أهل الكتاب: لأنه ملك الروم وفارس. وقال بعضهم: كان في رأسه شبه القرنين، وقيل غير ذلك».
ويقال: إنه إنما سمي ذا القرنين، لأنه بلغ المشارق والمغارب، من حيث يطلع قرن الشمس ويغرب.
قال بن عاشور: «ويتعين ألا يُحمل القرنان على الحقيقة، بل هما على التشبيه أو على الصورة.
فالأظهر أن يكونا ذؤابتين من شعر الرأس متدليتين، وإطلاق القرن على الضفيرة من الشعر شائع في العربية».
وقيل: هما شبه قرني الكبش من نحاس كانا في خوذة هذا الملك فنعت بهما.
وقيل: هما ضربتان على موضعين من رأس الإنسان يشبهان منبتي القرنين من ذوات القرون.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *