أفـضــل الذكـر

 

أفضل الذكر ما تواطأ عليه القلب واللسان، وذكر القلب وحده أفضل من ذكر اللسان وحده، لأن ذكر القلب يثمر المعرفة، ويهيج المحبة، ويثير الحياء، ويبعث على المخافة، ويدعو إلى المراقبة، ويزع عن التقصير في الطاعات، والتهاون في المعاصي والسيئات، وذكر اللسان لا يثمر شيئاً من ذلك الإثمار، وإن أثمر شيئاً منها فثمرة ضعيفة .

(الوابل الصيب؛ لابن القيم رحمه الله)

تعريف العلم وكيفية أخذه وبيان فضله

عن كميل بن زياد قال: أخذ علي بن أبي طالب رضى الله عنه بيدي فأخرجني إلى ناحية الجبان، فلما أصحرنا جلس ثم تنفس ثم قال: يا كميل بن زياد، القلوب أوعية، فخيرها أوعاها، احفظ ما أقول لك: الناس ثلاثة؛ فعالم رباني؛ ومتعلم على سبيل نجاة، وهمج رعاع أتباع كل ناعق، يميلون مع كل ريح، لم يستضيئوا بنور العلم، ولم يلجؤوا إلى ركن وثيق.

العلم خير من المال، العلم يحرسك وأن تحرس المال، العلم يزكو على العمل والمال تنقصه النفقة. ومحبة العالم دين يدان بها. العلم يكسب العالم الطاعة في حياته، وجميل الأحدوثة بعد موته، وصنيعة المال تزول بزواله. مات خزان الأموال وهم أحياء، والعلماء باقون ما بقي الدهر. أعيانهم مفقودة، وأمثالهم في القلوب موجودة. (الحلية -تهذيبه- 1/86).

خصائص تميّز الإسلام عن غيره

الربانية: يتميّز الإسلام بأنه ربانيّ من جهتين؛ ربانيٌ في الغاية والوجهة، فغاية الإسلام حُسن صلة العبد بربه، ونيل العبد لمرضاة الله تعالى، وربانيٌ من جهة المصدر والمنهج؛ فمصدر الإسلام وتشريعاته هو الله سبحانه وتعالى.

الإنسانية: فالإسلام يتميّز بوجود النزعة الإنسانيّة الواضحة في العبادات والمعتقدات والتوجيهات والتشريعات، فالله سبحانه وتعالى كرّم الإنسان وفضّله على كثير من المخلوقات، فالإسلام رباني المصدر، والإنسان هو الذي يفهم المصدر ويستنبط ويجتهد فيه، والإسلام يقوم على تحقيق الخير للإنسان وتكريمه وحمايته.

الشمول: فالإسلام دينٌ شامل لجميع مناحي الحياة ومجالاتها وجوانبها، وشامل لحياة الفرد والأسرة والمجتمع، في كل زمان ومكان. الوسطية والتوازن: فالإسلام دينٌ متوازن خالٍ من الإفراط والتفريط، قائم على إعطاء كل ذي حق حقه.

الواقعية: فالإسلام بتوجيهاته وتشريعاته راعى واقع الكون والحياة، وراعى واقع الإنسان بكل ظروفه، والإسلام واقعي في العبادات المطلوبة من المكلَّفِين، واقعي في المعتقدات.

الوضوح: يتميّز الإسلام بوضوح الأصول والقواعد التي يقوم عليها، ووضوح الأخلاق ووضوح الشعائر التعبديّة. الجمع بين التطور والثبات: فالإسلام ثابت في أهدافه وغاياته، ومرنٌ في وسائله وأساليبه، ثابت في أصوله وكليّاته، ومرنٌ في فروعه وجزئياته، ثابت في قيمه الدينية والأخلاقية، ومرن في الشؤون الدنيوية والعلمية.

فقه العلم بالله وأسمائه وصفاته

 

قال الله تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ} محمد: 19.

وقال الله تعالى: {اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ، مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ} (المائدة: 98-99).

العلم بالله وأسمائه وصفاته أشرف العلوم وأجلها وأعظمها على الإطلاق.

والعلم بالله تبارك وتعالى أصل الأشياء كلها، حتى إن العارف به حقيقة المعرفة يستدل بما عرف من أسمائه وصفاته على ما يفعله، وعلى ما يشرعه من الأحكام، وعلى ما يأمر به من السنن والآداب، لأنه سبحانه لا يفعل إلا ما هو مقتضى أسمائه وصفاته.

فأفعاله كلها دائرة بين العدل والفضل، والحكمة والرحمة.

والإيمان بالله أحد أركان الإيمان، بل هو أفضلها وأصلها، وأعظمها، وليس الإيمان مجرد قول باللسان من غير معرفة بالرب وأسمائه وصفاته.

بل حقيقة الإيمان: أن يعرف العبد الرب الذي يؤمن به، ويبذل جهده في معرفة أسمائه وصفاته، ومعرفة آلائه وإحسانه، حتى يبلغ درجة اليقين، وكلما ازداد معرفة بربه زاد إيمانه، وكلما نقص نقص إيمانه.

والله عزَّ وجلَّ خلق الخلق ليعبدوه ويعرفوه ويوحدوه، وهذه هي الغاية المطلوبة منهم، فالاشتغال بذلك اشتغال بما خلق له العبد، وتركه إهمال لما خلق له.

ولا يليق بالعبد الذي لم تزل نعم الله عليه متواترة، وفضله عليه عظيم من كل وجه، أن يكون جاهلاً بربه، معرضاً عن معرفة أسمائه وصفاته وأفعاله.

إن معرفة الله تبارك وتعالى تدعو إلى محبته وتعظيمه، وخوفه ورجائه، وخشيته، وإخلاص العمل له، وهذا عين سعادة العبد.

ولا سبيل إلى معرفة الله إلا بمعرفة أسمائه وصفاته، وفقه معانيها.

والاشتغال بهذا العلم، وبذل الجهد لفهمه، والبحث التام عنه، اشتغال بأعلى المطالب، وحصوله للعبد من أعظم وأشرف المواهب.

فينبغي للعبد أن يعرف أن ربه هو الواحد الأحد في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}. (الشورى: 11).

وأنه سبحانه الرب وكل ما سواه مربوب..

وهو الملك وكل ما سواه مملوك..

وهو الخالق وكل ما سواه مخلوق..

وهو القوي وكل ما سواه ضعيف..

وهو العزيز وكل ما سواه ذليل..

وهو الغني وكل ما سواه فقير..

وهو الرزاق وكل ما سواه مرزوق..

فله سبحانه الأسماء الحسنى، والصفات العلى، وله الكمال المطلق في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ} … (الحشر: 23).

وله جل جلاله صفات الكمال وصفات الجلال وصفات الجمال {هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } الحشر: 24.

وهذه المعرفة هي غذاء القلوب، وبها تزكو النفوس، وتطمئن القلوب، وتنشط لطاعة الله بذكره ومحبته وعبادته، وتعظيمه وتكبيره، وحمده وشكره.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *