لقد جاوز بنو علمان المدى ذ.الحسن العسال

لقد جاوز بنو علمان المدى، وأهل الأمن الروحي لا يلتفتون إلى هذا الأمن إلا إذا أرادوا التضييق على المسلمين المغاربة الذين يخالفونهم الرأي، ولو في الفروع، أما بنو علمان الذين يخالفونهم في الأصول، فلا حديث عن تهديدهم للأمن الروحي، مع أنهم يهددون وجود الإسلام في هذا البلد من أساسه.
فهذا الأمازيغوي المتطرف يريد التشطيب على العقيدة الإسلامية بجرة قلم، إذ يقول: “إن من عوائق المواطنة في المغرب والبلدان الإسلامية اعتبار المجتمع جماعة دينية منسجمة، مما يؤدي إلى ارتكاب خروقات كثيرة، وهو ما يتناقض مع مبدأ المواطنة الذي لا يقوم على العقيدة أو اللون أو العرق”.
وما لا يريد أن يستوعبه هذا العلماني المتطرف هو أننا لسنا قطعة من الغرب الذي ارتضى العلمانية دينا لظروف تاريخية دفعته لذلك دفعا.
وإذا كان هذا الغرب جعل من المواطنة، القوقعة التي حشر فيها مواطنيه، مع أنه خففها بإنشاء الاتحاد الأوربي، فإن إسلامنا ينشلنا من ضيق المواطنة إلى رحابة الأمة، ولا يمكن أن يجبرنا بنو علمان على القطع مع عمقنا الديني، وإلا فليمنعوا الناس من الحج، ومن الصلاة لقبلة المسلمين، ومن اتباع سيد المرسلين صلى الله عليه وآله وسلم، بدعوى المشرقية.
إن المواطنة، بمفهومها القطري الضيق، ليست قدرا محتوما، وإنما هي استلاب آخر طوق به بنو علمان إرادتهم وفكرهم، لصالح ما ارتضاه الغرب لنفسه، عندما تخلى عن اللغة اللاتينية، لغة العلم والمعرفة، لصالح لهجات عامية غير مؤهلة علميا وثقافيا، لدواع سياسية، أساسها نشوء قوميات قطرية، كما أكد على ذلك العلامة اللغوي عبد القادر الفاسي الفهري في كتابه: “السياسة اللغوية في البلاد العربية”.
ولأن الأمازيغوي المتطرف جاوز المدى، فقد تجرأ وقال: “من حق أي مغربي أراد أن يرتد عن الإسلام ويختار دينا جديدا من تمتيعه بهذا الحق، لأننا لا نمارس الوصاية على أحد، والإسلام ليس هو الدين الوحيد الذي ينبغي أن يتبع، ولا دين مقدس حتى يستحيل تغييره ورفض شرائعه”.
ومرة أخرى، أين أهل الأمن الروحي، أم أن الشعب المحظوظ له أن يزعزع هذا الأمن، دون حسيب أو رقيب؟ كما يؤكد على ذلك سيء الذكر، بكل “أريحية معكوسة”.
من حق أي مغربي أن يرتد عن الإسلام، ويختار دينا جديدا، دون وصاية من أحد، لكن نفس هذا المغربي، ليس له أن يرتد عن القيم الكونية، مثلا، وينهج نهجا ربانيا، إذ كل بني علمان هم أوصياء عليه، لأنهم، وهم “يؤمنون بالنسبية”، “يمتلكون الحقيقة المطلقة”، المتمثلة بالنسبة لهم، في تلك القيم، التي لم يؤمن بها حتى مختلقوها، إلا في ظروف معينة، ومن يجول بناظريه، لن يجد عناء في إيجاد أدلة على ذلك.
إن حقوق الإنسان هي حكر على بني علمان من الشعب المحظوظ، يتمتعون بها ضدا على أي عقيدة أو قانون أو عرف أو قيد اجتماعي، أما غيرهم من الشعب المقهور، فلا حقوق له، لأن سيء الذكر يعتبر مثلا أن: “قضية كولونيل القوات المساعدة الذي رفض مصافحة والية جهة الغرب الشراردة، قضية لا تتسع للمهاترات الإيديولوجية ولا للحسابات الضيقة والسطحية، لأنها قضية وجود دولة من عدمه”.
هذا منطق السيسي وأتباعه، إذ يجعلون من كومة التراب جبلا، ومن صومعة قمح حبة، فمجرد امتناع رجل عن مصافحة امرأة أصبح “قضية وجود دولة من عدمه”! ولو طبقنا هذا المنطق على ما يقترفه بنو علمان، لكان قضية وجود الدنيا من عدمه !
إن سيئ الذكر سود صفحتين، نفث فيهما حقده على العقيد المطرود ظلما وعدوانا، ولم يتحدث عن عدم قانونية الإجراء إلا ببضع كلمات، ليظهر أنه موضوعي ومنصف، ولو أن الموضوعية والإنصاف كانا رجلين لتبرآ منه، لأنه لا يوجد في الدنيا قانون يشطب بموجبه على ممتنع عن المصافحة من الوظيفة العمومية، وبهذه السرعة الضوئية، ولو كان اقترف ما يوجب عزله لطبقت في حقه مسطرة العزل التي لا تقل عن ستين (60) يوما بعد الإعلام والإمهال بطرق عديدة، كما يقع الآن مع الأساتذة المضربين من أجل الترقي، لكن في دولة الحق والقانون، والدستور الجديد! لم تلتفت إلى حق ولا قانون ولا دستور، بل طبق قانون الغاب إن صح أن يسمى قانونا.
كل هذا يقع وحقوقيو الانقلاب الحقوقي يقفون صامي آذانهم، لأنه إن كان الانقلابيون في مصر انقلبوا على الشرعية، فنحن في المغرب ينقلبون على ما سطروه من قوانين وحقوق، ثم يتهمون الشعب المقهور، بأنه يعتمد مواد حقوق الإنسان: “بهدف هدم تلك الحقوق أو تمييعها أو تحريفها بإعطائها دلالات مخالفة لدلالاتها الحقيقية، ومعاكسة لأهداف من يدعون إليها في قضايا إنسانية عادلة وواضحة، والسبب أنهم لا يؤمنون بتلك الحقوق ولا بأسسها الفكرية والفلسفية ويعتبرونها حقوقا “غربية المنشأ”.
حتى الفهم هو حكر عليهم، يفسرون النصوص، علمانية كانت أو إسلامية، حسب ما عَنَّ لهم.
هم يتهموننا بأننا لا نؤمن بالأسس الفكرية والفلسفية للحقوق الغربية المنشأ، إلا أننا نذكرهم بأن هذا شرف لنا، لأننا نعتقد جازمين أن تلك الأسس تناقض عقيدتنا، فلهم قيمهم الكونية، ولنا قيمنا الإسلامية، لهم فلسفتهم الغربية، ولنا عقيدتنا الربانية، التي نعامل الآخر على أساسها، أما هم فيكيلون في مجال الحقوق وغيره، بمكيال المطففين الذين تحدث عنهم القرآن الكريم، فضلا عن الوصاية، وفرض الفكر بالإكراه الذي يرفضونه في الدين.
لقد جاوز بنو علمان المدى عندما يتهم سيئ الذكر العقيد في شرفه، لَمَّا يرميه بما هو منه براء، براءة الذئب من دم يوسف عليه الصلاة والسلام.
كيف سمحت له نفسه بأن “يقذف” العقيد في نيته، وبأنه إذا لمس يد الوالية الناعمة، ستثير الملامسة فيه لواعج العشق ، وتوقظ عفاريت الرغبة الجامحة. ولم يكتف بالافتراء، بل صدقه، وتساءل كالبريء، هل يسمح مشهد استقبال الوالية باستحضار هذه الصور المضحكة؟ هل حقا نحن في القرن الواحد والعشرين؟”.
اتهم العقيد الذي ليس له به سابق معرفة من قريب ولا من بعيد في عرضه وشرفه، وهو الذي لا يؤمن بعرض ولا شرف، أما من يجهرون بشبقهم وشهوانيتهم بكل وضوح، وهو منهم ، فلا يطالهم سواد قلمه الحاقد.
فهذا “الجنساني” الذي لا يخفي “جنسانيته”، المدعو عبد الصمد الديالمي يقول: “يجب أن نعيش تحررا جنسيا، لا قيود على الجنس، لأنه أكبر القيم التي نعيش من أجل تحقيقها، وهو أساس العلاقات والتواصل، ووضع القيود عليه سيشكل إكراها لتحقيق الذات، والمجتمع المغربي يعيش ذلك في الخفاء، ويحتاج أن يعلنه للجميع”. فهل بعد هذا الوضوح وضوح؟
المسلمون يعيشون من أجل عبادة الله، وهذا الشهواني يعيش من أجل الجنس، ومع ذلك تقلب الحقائق، ولا يتهم بلوعة العشق، وعفاريت الرغبة الجامحة!
أم أن من أعمى الله بصيرته، لا ينفعه بصره، ولا حواسه كلها.
فإن كان الباحثون عن لقمة العيش، أو الطامحون الطامعون في حياة رغيدة يستقلون قوارب الموت بحثا عن دنيا يصيبونها، فإن مثل هذه الأقوال وهذه الممارسات تدفع بشباب آخرين دفعا للبحث عمن يجيبهم عن حكمها، خارج الوطن، مادام أهل الأمن الروحي لا يهمهم من الدين إلا التسليمة الواحدة، والقراءة والدعاء الجماعيين، وما شابه، غير آبهين بشباب يشعر بمرارة أن أمنه الروحي الحقيقي ينتزع منه شيئا فشيئا، فيصبح عيشه لا يطاق،وتضيق عليه أرض المغرب بما رحبت.
فالله الله في شبابنا الذي يئن بين مطرقة شظف العيش وسندان إهانة دينه، بين فكي العوز المادي، والإفراغ الروحي!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *