من منا لا يتجرع حقيقة مرة كالعلقم، وهي أن بعض من ينتسبون إلى نخبة المجتمع المثقفة، ممن شأنهم تحرير العقول من الاغتيال، والنفوس من طبائع الاستعباد، صاروا هم بحاجة ماسة إلى التحرير، ليعيشوا كما ولدتهم أمهاتهم أحرارا كراما.
متى كان المثقف مادة للبيع والشراء؟! وموضوعا للمساومة على الوعي والقيم؟! لمجرد وعد بترقية، أو تهديد بتأخير ترسيم، أو تعويض عن سفريات، أو تفضيل بمنصب معد على المقاس لاستدراج من يسيل لعابه عليه مقابل شراء ذمته واستعباده(…)
بل وجدنا من يكفي معه تكشير أنياب مسؤول إداري، أو زمجرة صوته ونفخ أوداجه واحمرار وجنتيه، ليلقي بعصاه مستسلما لكل ابتزاز، ومتنازلا عن كل اعتزاز!!
ألا قبح الله: الجبن، والطمع!!
ويظل السؤال المر المرير يسائلنا جميعا، ويتحدى علومنا ومعارفنا، على اختلافها وتنوعها: ما يصلح الملح إذا الملح فسد؟!
واسمحوا لي أن أتطفل بالجواب، بما تقدر من التيسير وتيسر من التقدير، على سؤال إشكالي من هذا الحجم، إن تعذر الإمساك بمفاصله، فلا أقل من إجمال الانطباع فيه، لأقول:
إن السبيل لتحرير هؤلاء لازم، بل هو ألزم من أي مطلب آخر، ماديا كان أو معنويا، والطريق إليه بأن يضطلع الأشراف الأحرار بمد المنهزمين أمام ما ألمحنا إليه، بجرعات من التحرر؛ وذلك بـ:
– القدوة بالحال قبل المقال، فإن “التحرر” يعدي.
– وبالكلمة الطيبة الصادقة النافذة، التي تذيب أحجار كلس “التمخزن” و”التملق” و”التورق” و”التزلف”، وتوقظ الضمير ليتمرد على: “كسب الأعواض” و”نيل الأغراض” و”انتهاك الأعراض”!!
إن أعظم مصلحة ينبغي أن يحس بها الإنسان، ويحيى بها ولها، ويحمد الله عليها، هي مصلحة أن يكون حرا.. مستعصيا عن الاستدراج لأي سوق نخاسة كيفما كان، وتحت أي ذريعة كانت.
بالمثقف يحيى المجتمع أو يموت.. فلننخرط جميعا في مسلسل الإحياء.