هالني التجاهل الرهيب لأعظم وأخطر نكسة تهز الأمة على مدى تاريخها، يوم 3 مارس، ذكرى إلغاء الخلافة الإسلامية، أإلى هذا الحد نسينا الخلافة وأهملناها؟
ظهرت الخلافة كنظام حكم إسلامي عقب وفاة سيدنا رسول الله صلى الله عليه و سلم، واختيار وبيعة سيدنا أبي بكر الصديق رضي الله عنه، ولها أصل في السنة النبوية المطهرة، فقد وردت في أحاديث كثيرة، لم يعرف المجتمع العربي قبل ظهور الإسلام أي تنظيم سياسي، بل كان يسير أموره من خلال التجار وشيوخ/أعيان القبائل، فكانت مؤسسة الخلافة أول نظام إداري/سياسي يعرفه العرب. ولعظم شأنها، حسم اختيار الخليفة يوم وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وأعطيت لها الأولوية لتعدي مصلحتها.
تختلف الخلافة عن غيرها في كونها تشمل التنظيم السياسي والديني للدولة المسلمة، فللخلافة وجهان تشتغل بهما :
وجه سياسي: يتمثل في كون الخليفة رئيس الدولة، ويعين الولاة والعمال والجباة ويعزلهم؛ وهو القائد العام للجيوش الإسلامية، وبيده قرار الحرب والسلم ويعقد الاتفاقيات…
ووجه ديني: فهو يؤم المسلمين في صلاتهم ويخطب فيهم، ويعين الأئمة والقضاة ويسن التشريعات على ضوء الكتاب والسنة، والمرجع الأعلى للأمة في الأمور الشرعية.
ومن أجمل ما قرأت في تعريف الخلافة ما ذكره ابن خلدون في المقدمة أن الخلافة هي: “نيابة عن صاحب الشرع -النبي صلى الله عليه وسلم- في حفظ الدين وسياسة الدنيا”.
تعاقب على المنصب الخلفاء الراشدون الأربعة رضوان الله عليهم، ثم آل الأمر إلى بني أمية فبني العباس ثم بني عثمان، الشاهد في الأمر أن مؤسسة الخلافة بقيت قائمة رغم كل التغيرات السياسية والاجتماعية والثقافية، وبقي للأمة زعيم واحد، بل وحتى آخر خليفة أموي عبد الرحمن الداخل رحمه الله تنازل عن الخلافة بعد هربه إلى الأندلس وتحصنه فيها وإقامته لإمارته بها، رغم أنه كان إلى الأمس القريب خليفة للمسلمين وبويع على ذلك، حتى لا يكون للمسلمين خليفتين (عباسي ببغداد وأموي بالأندلس) وتفترق الأمة وتنازل للعباسيين عن شرف الخلافة حفظا لوحدة الأمة.
ورغم ضعف الدولة العباسية إلا أن الخلافة بقيت قائمة وتدين لها سائر الإمارات والدول الإسلامية، خاصة في الجانب الديني، ولم تجرؤ أي دولة إسلامية على دخول بغداد والقضاء على الخلافة مع سهولة الأمر (باستثناء بعض المحاولات الرافضية) وكان السلاجقة يوفرون الحماية والدعم للخليفة، ولم ينازعهم في الخلافة إلا الدولة العبيدية في مصر (الفاطميون) حتى جاء الغزو المغولي البربري فاختفت الخلافة قليلا ثم عادت مع انتصار المماليك في عين جالوت وانهزام المغول والتتار..
وسرعان ما استعادت الأمة عافيتها ورفع العثمانيون اللواء لتستمر الخلافة في الأمة، وأقوال العلماء في الخلافة والتشديد على ضرورتها تملأ الكتب، فقد بقيت قائمة من 12 ربيع الأول 11هـ إلى 27 رجب 1342هـ.
ففي هذا اليوم الأسود من تاريخ الأمة، سدد مسيلمة الأناضول مصطفى كمال الملقب بأتاتورك -والذي تشير بعض المصادر التاريخية أن أصوله تنحدر من يهود الدونمة- طعنة غادرة لصدر الأمة الإسلامية وقرر إلغاء الخلافة نهائيا وطرد الخليفة عبد المجيد الثاني ونفاه وأفراد عائلته، فأقام جمهورية علمانية لائكية تحارب كل ما هو شرعي إسلامي.
فكم كان العلمانيون الأتراك خبثاء إذ بدؤوا بهدم مؤسسة الخلافة أولا؛ لتكون مقدمة لفصل الدين عن الدولة كخطوة أولية؛ ثم تتطور بعد ذلك إلى فصل الدين عن الحياة، وتم تغيير اللغة التركية من الأبجدية العربية إلى الأبجدية اللاتينية لفصل تركيا عن امتدادها وعمقها العربي، وربطها بأوروبا ¬ -التي ترفض إلى الآن انضمام تركيا رغم كل التنازلات والتقليد- وصدق الله العظيم قائل: “وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ”.
واستمر تلامذة أتاتورك على نهج زعيمهم الروحي في وأد أي دعوة لإحياء الخلافة في مهدها، بل تعدى الأمر إلى قمع أي صوت إسلامي أو فيه رائحة الإسلام كما حدث مع نجم الدين أربكان وغيره من الرؤساء، حتى بلغ الإجرام بهم إلى إعدام رئيس تركي لأنه أدى فريضة الحج، وأداها متخفيا أيضا!
فلماذا يتحدثون عن إرهاب طالبان ويتناسون جرائم ودكتاتورية بني علمان في تركيا؟
هكذا يهدم العلمانيون الإسلام حجرا حجرا، وما النموذج الأتاتوركي عنا ببعيد.
ونحن نعيش الذكرى الـ89 للمؤامرة العلمانية التي تجلت في إلغاء الخلافة الإسلامية، يجب أن نحذر عدونا الذي لا زال يجوس الديار؛ ونجدد ثقتنا في صدق موعود الله أن العاقبة للمتقين.