لا شك أن المواجهة من أجل القيادة والتمكين، كانت ولا تزال هي لحمة الصراع وسداه بين قوى الخير وعصبة الشر، منذ أن خلق الله أول نفس منفوسة، وهي مواجهة باقية إلى أن يقف الناس بين يدي مولاهم ليحكم بينهم بالحق، فينال كل جزاءه فضلا وعدلا، بيد أن هذه المواجهة في أيامنا هذه قد استعرت نارها، وركب الباطل مع دولة أيامه موجة افتعال الضجة ضد إسلامنا العظيم، وبلغت حملته النصاب المستوفي لشرط الغلبة، فيا لها من حملات بالغة المكر، أفقية الفتك، وعربدات عبدت الطريق لكل صاحب مشروع مناه إقصاء الدين، وإزالة شاراته، ودرس فضيلته تحت حوافر العلمانية، وقوائم الحداثة..
وليس الكلام هنا في سياق تكريس الهزيمة ونشر ثقافة الفشل والانهزامية، والتوقيع على صك الانبطاح للقوى الأمبريالية، بل الأمر لا يعدو أن يكون توصيفا إشاريا إلى عظمة ما ننتسب إليه، وصدق خبر صونه، ومعجزة إباء شريعته الدائمة بدوام الأرض والسموات، ولا غرابة في هذا مع عقيدة يؤمن أصحابها عند أي صراع بين الحق والباطل بعاقبة مفاذها قول الله عز وجل: {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ}.
ويعتقدون كلما دارت مواجهة بين ظالم على باطل، ومظلوم على حق بعاقبة مفادها قوله جل جلاله: {لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ وَلَنُسْكِنَنَّـكُمُ الأَرْضَ مِن بَعْدِهِمْ}، مع الإشارة إلى أن اعتقاد كلا العاقبتين يظل إقراره معلقا بالتزام شروط عقده، وميثاق إنفاذه، قوله سبحانه وتعالى: {ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ وَاسْتَفْتَحُواْ وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ}، وليس من الزيف في شيء، والمبالغة أن نقول أننا ومع هذه الفوضى التي كرت علينا رياحها السموم تبغي اجتياحنا، لم نك لنخشَ عدونا الذي بات مكشوفا لنا، وأنى لنا أن نخافه، ونحن أحق منه بنصر الله وتأييده، وعونه ومدده.
ومما الخشية ونحن الأعلون متى ما آمنا بربنا، وصدقنا نبينا، والتزمنا منهج سلفنا، ومما المخافة وخصمنا يخوض كره وقد أغشته ظلمات لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.
ولعل التسليم بتبدد خوفنا واندراس خشيتنا لا يمنع شرعا ألا نكون حذرين كل الحذر من الذين رمى ذلك العدو المكشوف لنا بفنه، فن افتعال الضجة ضد إسلامنا في مرمى سعيهم، وشباك صيدهم، بنو علمان ومن شاكلهم، وهادنهم بمودة، وصاهرهم برحمة، من الذين غشيتهم ظلمة الاستغراب، فاستولت على عقولهم وقلوبهم، وأبصارهم، وآذانهم، فباتوا لا ينظرون إلا على قبس نيران الغرب، يحسبونها أنوارا وما هي كذلك.
وكم يحز في النفس أن نبوح على استحياء أنهم من بني جلدتنا، تسموا بعد النسيكة بأسماء إسلامية، ثم رقنت في سجلات الحالة المدنية، ولبسوا جبة الإسلام جنسية، ولم يعتقدوه عندما بلغ العود أشده شرعة ومنهاجا.
وجدير بالذكر أن عدونا لما عرض أمانة تكليف افتعال الضجة ضد إسلامنا على أبناءه من رضاعة لبان العلمانية، ومسحوق الحداثة، كان دافعه الأول بعد تعديل كفتي الربح والخسارة بين مفضول، كان يتجلى في حروب سافرة، تستولي على الأرض بعد عناء وكلفة، تحطيم دفاعات الجيوش النظامية في الدول، مشروع الاستعمار، وما يلي ذلك من نزيف حاد في الأموال، والأنفس، جراء الضربات المسترسلة للسخائم المقاومة، وبين فاضل أصبح يتجلى في خوض حروب فكرية، تفرض عبر طرقها المقنعة بالتمدين والحماية والتحديث، أفكارها وإرادتها ونفوذها على العقل الفردي والجماعي، فتخلص بعد هذا مباشرة إلى جني ثمار مكرها الحضاري، ووضع يدها السالبة على الأرض ومن عليها، وما عليها وما فيها.
وكم هو بعيد ومستحيل أن يقوم حراس الدين والأرض والعرض بتجييش القوى الدافعة، وشحذ الهمم المقاومة، لمثل هذا الاستعمار، والتدخل المقنع بقناع الأدب والثقافة.
لقد كان الدافع الأول من عرض تلك الأمانة، وذلك التكليف خلق خطوطا متقدمة، وخلايا فاعلة، تقوم بالوكالة المواطنة من فعل فعلها الفتاك من داخل جسد الأمة المتراص، متبنية فنا من فنون خصوم الإسلام قديما وحديثا “فن افتعال الضجة ضد الإسلام”.
كالضجة المثارة حول الأمازيغية، والشعوب الأصيلة، باعتبارها أقليات مهضومة الحقوق ضحية الإعراض، والعقوق الذي يمارسه عليها الجنس الوافد، الذي لا يعني في قاموس الفنيقيين الجدد غير العربي المسلم، وتهمة التضييق على ثقافته المهددة بالانقراض الديناصوري، ولهجتهم التي لا مكان لها في الحياة العامة، وتأريخهم السنوي المغموط الذي يجتر حكاية “عمي الغول”، حكاية انتصار الملك البربري شيشونغ على أحد فراعنة حضارة النيل.
ناهيك عن الضجة المثارة باسم ما يمكن أن ننعثه “بحرب النساء” ضد شرعنا الحنيف، بدء بالنقاب والحجاب ومرورا بشعيرة تعدد الزوجات، ووقوفا مع نصوص الميراث، ورفع سقف المطالب المادية، والاجتماعية المشجعة على الطلاق، والتطليق، والتحرر من ربقة الوقر في سجن الزوجية، والارتماء في أحضان الوأد الحداثي الماجن، باسم المساواة والحرية، والخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية، التي عنوانها: ارتفاع نسب الطلاق، وطوابير العنوسة، ومظاهر العري والسفور، وتبضيع الرمز الأنثوي، وتسويقه في أسواق النخاسة التي لا تبقي ولا تذر.
ذلك الرمز الذي لطالما لم يجرده الإسلام الحنيف من صفات الفضيلة، من أمومة، وبنوة، وأخوة، وعمومة، وكافتعال الضجة باسم حقوق الإنسان ضد احتمال إمكانية عودة القضاء الشرعي الذي يقيم حدود الله في عباده، حتى عادت المجتمعات الإسلامية حقلا للمهلكات من المحدثات الإجرامية، التي تكاد ظلمتها تخطف الأبصار، وفتنتها تردي قلوب الغيورين الأبرار.
وهكذا وباسم الحق في الحرية، وحقوق المرأة، وحقوق الشواذ، وحقوق السجين، وحقوق الطفل، وحقوق الأقليات، والحق في الحياة الذي يمنع تطبيق حد الإعدام في الأيدي الباغية الملطخة بالدماء البريئة، تفتعل الضجة ضد إسلامنا العظيم، فيتسلل إلى ثغورنا لواذا؛ وبيوتنا التي لم تعد عورة؛ صناع الأزمة، وتجار الأعراض، ونجوم الفتن، لتتم صفقة الغبن الفاحش الذي يؤسس لميثاق الشر، وعهد الجاهلية، ويعبد الطريق أمام عولمة الابتزاز، والسرقة المشرعنة، والمسخ الذي تشجعه آليات الحماية الدولية.
وعلى رأس كل نكسة وعطب، يحصل للأرض والعرض تكون التهمة جاهزة، ومسؤولية ديننا في خلق هذه النكسة، والتسبب في هذا العطب مسؤولية كاملة، تتكفل الوسائل الإعلامية المنحازة في نشر هذا اللمز الكاذب بين دروب القرية الصغيرة، فيعاد اجترار ضجة جديدة ضد أفيون الشعوب، تحت مسميات وألقاب راعنة، فالله المستعان وإليه ترفع الشكوى وعليه التكلان.