تماما كالفاعلية الشيئية في (مجتمع الخنازير) -الحلقة الثانية- أبو الفضل حسن فاضلي

النظرة المادية، التي تنظر إلى الحياة الدنيا كغاية في حد ذاتها، ولا تنظر إلى البعث على أنه شيء ذو بال، وتعتبر فرصة الحياة، وسيلة للاستمتاع بكل اللذات، وتصريف أنواع الشهوات، ثم لا شيء بعد ذلك. هذه النظرة جعلت “رجال السياسة والمسؤولية يرتكبون في بعض الأحيان جنايات لا يتنزل إليها أكبر الآثمين، وذلك لمصلحة سياسية وهمية لبلادهم، وأمتهم أو لجاه شخصي، أو ربح مالي..

من إجابة أحد الموظفين الشباب في قوله [أنا لست ملحدا، ولكن وجود الشقاء في كل مكان للعالم، يوحي بأن الله إله سيء! ولم أصل بعد إلى رأي نهائي، ولكن أعتقد أنه لا توجد طبيعة عليا في الكون]. يمكن أن يصور مطلوب الشباب في سبيل الإيمان بالله [بتحسين الأوضاع المادية والعلاقات بين الناس جميعا]، وهو مطلوب يتحدى به شباب الجيل الحاضر وجود الله”(1).
فعجبا ممن يفسد ويطلب من غيره إصلاح ما أفسده هو، فلو أنه عاش في الكون وفقا للنظام الذي وضعه خالق الكون ومدبر أموره سبحانه وتعالى، لما انتكس على عاقبيه، خسر الدنيا والآخرة، وهذا حال “من يرى الحياة الدنيا متعا نهائية، وأن الدعوة إلى الانصراف عن تحصيلها، هي دعوة خادعة ومضللة، لابد أن ينكر متعا أخرى ورائها، وبالتالي ليست هناك في نظره حاجة إلى (بعث) ولا إلى دار أخرى، يستمتع أو يشقى فيها الإنسان، وليس هناك تقييم آخر لعمله في الدنيا (…) ليس هناك حساب ولا وزن لما عمل من قبل، ويرى أن المقاييس التي تستخف بمتع الدنيا أو تقنن السلوك والأعمال فيها، هي مقاييس وضعت لهدف واحد، وهو الحيلولة دون الاستمتاع بزينة هذه الحياة لأكبر عدد ممكن من الناس، كي تتوفر هذه الزينة لقلة قليلة منهم فقط، وهم الذين يستطيعون اقتناصها بطاقاتهم وقوتهم المادية، والممثلة في الشرف أو الجاه أو المال والأولاد”(2).
وهذه النظرة المادية، التي تنظر إلى الحياة الدنيا كغاية في حد ذاتها، ولا تنظر إلى البعث على أنه شيء ذو بال، وتعتبر فرصة الحياة، وسيلة للاستمتاع بكل اللذات، وتصريف أنواع الشهوات، ثم لا شيء بعد ذلك. هذه النظرة جعلت “رجال السياسة والمسؤولية يرتكبون في بعض الأحيان جنايات لا يتنزل إليها أكبر الآثمين، وذلك لمصلحة سياسية وهمية لبلادهم، وأمتهم أو لجاه شخصي، أو ربح مالي”(3). مادامت التربية اللادينية التي ليس فيها نصيب للأخلاق ومخافة الله عز وجل والإيمان بالآخرة، هو الأساس الذي تقوم عليه حركة الحياة.
ومجتمع يقوم على هذا الأساس لاشك أنه لا يهتم “كيف يعامل الولد والده، أو الزوجة زوجها، إذا كان هؤلاء الأفراد لا يزالون في الدائرة المدينة التي اختطها المجتمع حول أفراده، ومادام لا يحدث عملهم هذا اضطرابا في المجتمع وثورة على النظام، ولا يعرقل سير المدنية، فلا بأس إذا كان هناك عقوق من ولد، أو فرك من قرينة، أو جفاء من زوج، أو دعارة من امرأة، أو فسق من رجل، أو خيانة من زوجة”(4).
كل ذلك لا بأس به مادام لا يؤثر في السير العادي للنظام السياسي، ولا يشكل خللا اجتماعيا، فيتجلى بذلك التطبيق الصريح للعلمانية، التي استبدلت بالديني والمقدس. ومن الصور الواضحات لهذا التطبيق، ما ذكره عبد الله عزام في كتابه “الإسلام ومستقبل البشرية” واصفا الأمراض، وكل أنواع الفساد الاجتماعي التي تعاني منها أوربا العلمانية، “1) الولوغ في المشروبات الروحية، 2) الإدمان على المخدرات، 3) الأمراض العصبية والنفسية، 4) الجرائم البشعة، 5) السعار الجنسي، 6) الانتحار.
(وهذه) بعض الأرقام المذهلة عن أمراض المجتمعات العلمانية:
1) عدد الذين يدمنون الخمر في أمريكا يزيد عن 50%.
2) عدد الذين يتعاطون المخدرات 49% من الشعب الأمريكي.
3) 55% من أسرة المستشفيات، مخصصة للمرضى العصبيين.
4) في السويد 25% من الشعب مصاب بالأمراض النفسية، وتنفق الدولة 30% من ميزانيتها لعلاجهم، ونسبة الموظفين الذين يخرجون من وظائفهم بسبب الأمراض النفسية 50%.
أما عن أمراض الشذوذ الجنسي وجرائم السرقات والاغتصاب والقتل في أمريكا، فحدث عنها ولا حرج، فهناك 90% من الشباب الأمريكي مصاب بأمراض الزهري والسيلان.”(5).
وقد لاحظنا أن بعض البلدان الإسلامية، بدأت تحصد نفس النتائج، كنتيجة طبيعية لاختيارها المنهج العلماني القاصر، على حساب المنهج الرباني الشامل، بنسب متفاوتة بين هذه البلدان، وبحسب اعتقادها وإيمانها بهذا المنهج، فيكونا إذن في الهلاك والسقوط سواء.
وإذا كان الإسلام يقوم على أساس إشباع عنصري الإنسان: الجسد والروح، فإن المجتمع العلماني يقوم على أساس الإشباع المادي فقط للإنسان مع إهماله تماما للناحية الروحية والنفسية، لأنه استبعد الدين عن مجال الحياة، وأقام حضارة عوراء، لا تنظر إلى الإنسان إلا بعين واحدة، لذلك فقد الرؤية الواضحة لهذا الإنسان، وحوله إلى خنزير يأكل ويعمل ولا هم له وراء ذلك، مما دمر الإنسان هناك وأفقده سعادته. فعلى الرغم من أن الحضارة العلمانية الغربية قدمت للإنسان كل وسائل الراحة، وكل أسباب التقدم المادي، إلا أنها فشلت في أن تقدم له شيئا واحدا، وهو السعادة والطمأنينة والسكينة، بل العكس قدمت للإنسان هناك مزيدا من التعاسة والقلق والبؤس والتمزق(6).
ــــــــــــــــــــــــــ

1- الدين والدولة، ص:45.
2- الدين والدولة من توجيه القرآن، ص:58.
3- ماذا خسر العالم، ص:206.
4- نفسه، ص:264.
5- الأساليب الحديثة، ص:240.
6- نفسه، ص:238 (بتصرف يسير).

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *