لست أدري هل القائمون على: هيكلة/تدبير/تأطير/ضبط/توجيه/تجديد الخطاب الديني، أدركوا جيدا جسامة هذه المسؤولية، فهيئوا لها من الموارد المالية والبشرية واللوجستية ومن الكفاءات والمادة العلمية.. ما يبوّّؤها مكانة المنافسة والاضطلاع بالمهام المرجوة منها، أم أنهم تركوا هذا القطاع في أيد عابثة فاشلة ماكرة كباقي القطاعات التي لا تزال تراوح مكانها منذ فجر الاستقلال.
المطلع على التقرير الذي أعدته الهاكا حول البرامج الدينية في الإعلام العمومي، يخلص إلى أن القائمين على هذا الشأن إما غير معنيين بتاتا بأي خطاب ديني، ويرون فيه مزاحما ومنافسا شرسا لخطاب ومشروع آخر. ومن ثم فهم يسعون جاهدين إلى إقصائه وتهميشه.
أو أنهم لا يفهمون الواقع الذي يعيشونه، ولا يدركون حاجات ومتطلبات أبناء الشعب المغربي الذي رضع الإسلام مع أولى قطرات حليب أمه، فتكوَّن منه جسمه وعقله وروحه، ومن ثم فهم يستنسخون تجارب ثقافات وحضارات أخرى لا يشكل الدين في حياتها أهمية كبرى، فجعلوا الدين فقرة هامشية ضمن فقرات أخرى لتلبية )حاجة روحية( كما يسمونها.
المتابع أيضا لقنواتنا الوطنية يجدها تجمع بين الصنفين أعلاه، وهو أمر غريب حقا، في دولة تتميز دينيا على باقي الدول الإسلامية، بأمور عدة أهمها إمارة المؤمنين والمذهب المالكي والبيعة.. واختارت أن تتبنى سياسة دينية منافسة، موجهة ضد مذاهب عقدية (التشيع)، أو فقهية (المذاهب الفقهية وعلى رأسها مذهب الإمام أحمد)، أو سياسية (الجماعات الإسلامية)، وقد تأكد هذا الطرح بعد ما سمي بالحرب على الإرهاب، حيث ظن بعض مهندسي هذا المشروع، أن السر هو غلق الأبواب أمام الخطاب الديني المشرقي بزعمهم، والاقتصار على المذهب المالكي، وحصر الخطاب في طبقة من رجال الدين تحتكر الوعظ والتوجيه والفتوى، متجاهلين هذا الفضاء المفتوح ووسائل الإعلام المتطورة ورغبة الناس في الاكتشاف، والرغبة في الممنوع والمحظور.
لكن رغم كل تلك المعطيات والمخاوف والمحاذير، فقد تم إنتاج إسلام بمواصفات مغربية، غير قادر على الصمود والمواجهة والمنافسة، لأنه إسلام هجين غير أصيل، تم إدخاله لمطابخ السياسة وألاعيبها، فلم يعد خالصا صافيا نقيا، وتلاعبت به أياد غير أمينة، تحاول كل منها تطويعه لمشروع ما، وأجندة ما، خدمة لجهة ما.
لذلك لم يكن مستغربا أن يكون إنتاج قنواتنا العمومية في شهر ترتفع فيه حالة إيمان المواطنين وتزيد طاعاتهم ويصومون عن شهواتهم ورغباتهم ويكونون أكثر إقبالا على الدين في كل أحوالهم، لم يكن مستغربا أن يتميز هذا المنتوج بالهزال كما وكيفا، حيث بلغت ساعات بث البرامج لمجموع قنواتنا الدينية خلال شهر كامل 138 ساعة ونصف، كان نصيب القناة الثانية منها 13 ساعة ونصف خلال شهر كامل، بنسبة مساهمة بلغت 10 في المائة. فإن كان هذا ما قدمته في شهر فضيل كهذا، فماذا ستقدم في باقي الشهور العادية، وكيف تسمى بعد ذلك بالوطنية وتمول من جيوب المواطنين المسلمين.
أما من ناحية المضمون؛ فرغم الالتزام بالتوجه الرسمي للخطاب الديني، وبإشراف الوزارة الوصية، ورغم توسيع مسمى البرنامج الديني ليشمل الجوانب التاريخية للشخصيات والأماكن، وكذا المقامات الصوفية وأفلام ومسلسلات الدراما التاريخية الإسلامية، فإن القائمين لم يجدوا بدا من الاستعانة ببرامج معادة بل تم بثها السنة الفارطة، وأيضا الاستعانة بقنوات مشرقية رغم حساسية الأخذ عن الشرق التي تنتاب المسؤولين، وكذا توقيت البث الذي كان في بعض القنوات على الساعة السابعة صباحا، دون الحديث عن مواعيد للبث ألغيت أو تأثرت بنقل بعض المنافسات الرياضية، حيث أن الرياضة أولى من الدين في هذا الإسلام الذي تبشر به قنواتنا العمومية.